الخميس، 24 فبراير 2011

حقيقة حزب العمال الشيوعي في تونس

 


(الجزء الأول)

التوجه الخوجي التروتسكي المفضوح

"يا عمال العالم وشعوبه و أممه المضطهَدة إتحدوا"

ما هي حقيقة حزب العمال "الشيوعي" التونسي ؟ و ما هو الخط الذى يسير وفقه ؟ وهل أن هذا الحزب هو حقا ماركسيا-لينينيا أم هو إمتداد للمقولات التروتسكية التى ظهرت بتونس منذ الستينات ؟
سنتناول فى هذا الجزء الأول الرد على أطروحات هذا الحزب وفق المحاور التالية:
1) مسألة تشويه الماركسية –اللينينية وتنكره كما فعل "حزب العمل الألباني" لبناء الاشتراكية فى الصين الشعبية تحت قيادة ماو .
2) جوهر موقفه من طبيعة المجتمع الذى يعتبر إمتدادا للأطروحات التروتسكية السابقة والتى ترى أن تونس "مجتمعا رأسماليا"
3) موقفه الرجعي من المسألة القومية .
و فى الجزء الثاني من "حقيقة التروتسكية الجديدة"، سنتناول تكتيك "برنامج الحرية السياسية "كبرنامج إصلاحي .

( I )دفاعا عن الماركسية- اللينينية -الماوية :

تتضمن مقدمة برنامج الحزب حديثا عاما حول التناقضات الأساسية للمجتمع الرأسمالي وعن ثورة أكتوبر /تشرين الأول وعن طبيعة العصر. ثم تتحدث عن الردة التى حدثت على مستوى الحركة الشيوعية العالمية معتبرة ألبانيا الدولة الوحيدة التى تحافظ لحد الآن عن الإشتراكية ويضيف "...و فى الصين ...إتضح لاحقا الطابع التحريفي للفكر الماوي وإلتحق هذا البلد نهائيا بصفوف الدول الإمبريالية العدوانية " .
هكذا إذن إستيقظ واضعو البرنامج " لاحقا "، حين إلتحقت الصين بصف الإمبريالية . أما سابقا فأين كانوا؟
وماذا كانت طبيعة الصين ؟ لماذا لم يتحدثوا عن حقيقة الصين قبل ان تلتحق-لاحقا- بصف الإمبريالية أم لعلهم كانوا مبهورين بالإنجازات الإشتراكية العظيمة فى الصين فى حياة الرئيس ماو تسى تونغ وبعضهم طبل لبناء الإشتراكية فى الصين فى ظل ماو ثم تنكر لذلك بمجرد وفاته .
فقبل أن"تلتحق الصين بصف الإمبريالية "، ركزت تجربة ثرية فى بناء الإشتراكية . وكان هذا النصر الذى حوّل أكثر من نصف مليار صيني إلى صف المعسكر الإشتراكي أحد أهم الأحداث البارزة إثر ثورة أكتوبر/ تشرين الأول . وقد حيى قائد البروليتاريا ستالين الذى يدعى "حزب العمال "الشيوعي"التونسي " الدفاع عنه ، إنتصار الثورة الصينية وإستقبل الرئيس ماو كقائد ماركسي-لينيني فذ. ولم يكتشف فيه لا سابقا ولا "لاحقا" أنه تحريفي ولم يشطب ستالين رغم أنه يمسك مشعل الثورة الروسية ومشعل الأممية الثالثة ومشعل الانتصار على الفاشية ، لم يشطب التجربة الصينية بجرة قلم .
وقد لعب "الحزب الشيوعي الصيني" فيما بعد دورا رياديا وإلى جانبه "حزب العمل الألباني" فى الدفاع عن الخط الماركسي-اللينيني وحارب التحريفية الخروتشوفية بلا هوادة فى الوقت الذى كان المصفقون حاليا لحزب العمل الألباني ينقدونه ل"دغمائيته" حسب زعمهم وبمجرد موت ماو وإستيلاء طغمة دنك سياو بينغ التحريفية على السلطة فى الصين على غرار ما فعل خروتشوف إثر موت ستالين ،حدثت إنتكاسة ثانية للحركة الشيوعية العالمية لكن حزب العمل الألباني عوض مواصلة حمل مشعل الماركسية –اللينينية ولعب دور منارة الشيوعيين فى العالم فقد البوصلة ولم يصمد أمام الردة الحادة فطور خطا تصفويا انقلابيا دغمائيا تحريفيا وأنجز قفزة بهلوانية سدد بموجبها طعنة للتاريخ النضالي للحزب الشيوعي الصيني وقسم ظهر الحركة الماركسية- اللينينية في نفس الوقت . وعلى حين غرة إكتشف أنور خوجة قبل وفاته أنه "إتضح لاحقا الطابع التحريفي للفكر الماوي وبأن الصين لم تكن قط إشتراكية " بعد أكثر من 25 سنة من النضال المشترك والإتفاق الدائم . وكأن تجارب الشعوب التى بنتها بالدماء والتضحيات وإقتداء بالفكر الماركسي –اللينيني المرشد ، ألعوبة .
لقد ظن أنور خوجة أنه بكلماته قد شطب تجربة بناء الإشتراكية فى الصناعة والزراعة وإقامة الصناعات الثقيلة وبناء الكمونات وتحقيق الإكتفاء الغذائي لشعب كان يعيش البؤس والمجاعة وإرساء تجربة فريدة فى مواصلة الثورة فى ظل الإشتراكية بإعلان الثورة الثقافية ونقد الأفكار البرجوازية والتحريفية وإطلاق طاقات البروليتاريا والشعب الخلاق وتشريكها فى إدارة الإنتاج والمؤسسات وتمكينها من ممارسة النقد والنقد الذاتي.
وقد لعبت الصين دورا عظيما فى تقديم العون الأممي إلى ألبانيا الإشتراكية نفسها خاصة إثر قطع التحريفيين الخروتشوفيين المعونة عنها . إلا أن حزب العمل الألباني وأنور خوجة تنكرا لكل هذا وأصيبا بالعمى الفكري والجحود فقادا حملة تشويه لبناء الإشتراكية فى الصين وللماوية.
عندما حدثت الردة الألبانية التى إتخذت شكلا يسراويا تروتسكيا ومضمونا دغمائيا تحريفيا لا يختلف عن الحجج القديمة التى واجه بها خروتشوف الماركسية –اللينينة أو التى يرددها التروتسكيون أيضا ، قفز التحريفيون والتصفويون والتروتسكيون على الفرصة ليرفعوا عاليا راية التزلف والتصفيق والتهليل لحزب العمل الألباني شاكرين له صنيعه فى تسديد ضربة للماركسية –اللينينية وتجديد أنفاس التحريفية والتروتسكية ودفع الحملات ضد تجربة بناء الإشتراكية فى الصين . لكن تجربة الحزب الشيوعي فى الصين ليست ثرثرة وكلاما سهلا ولا مسؤولا من وراء مكاتب البرجوازيين الصغار بل هي حقيقة مادية غيرت وجه التاريخ فى الصين وأثمرت نصرا هائلا اقرته الحركة الشيوعية العالمية وخلقت تجربة ثرية تبقى زخرا للشيوعيين للإستلهام منها بعيدا عن أولئك الذين يريدون كتابة تاريخ الشعوب حسب نزواتهم فتجربة الصين الثورية الماوية داخليا وعالميا طوّرت علم الثورة البروليتارية العالمية و إرتقت به إلى مرحلة ثالثة جديدة و أرقى ليصير الماركسية –اللينينية –الماوية .
إن تطبيل حزب العمال "الشيوعي" التونسي لحزب العمل الألباني مثلما ورد فى العدد الرابع من صحيفته المركزية بمناسبة الذكرى الأولى لوفاة أنور خوجة والتقليد الأعمى لحزب العمل الألباني جر حزب العمال "الشيوعي" التونسي إلى تغييب الدور البارز الذى يلعبه أحد التناقضات الأساسية فى العالم أي التناقض بين الإمبريالية من جهة والشعوب والأمم المضطهَدة من جهة أخرى ، فغلب الحديث عن بؤر الثورات الوطنية الديمقراطية فى بلدان اسيا وأمريكا الجنوبية والتى تعتبر جزءا لا يتجزأ من الثورة الإشتراكية فى العالم وكانت مقدمة برنامج هذا الحزب إعادة باهتة لبعض صيغ طابور الأحزاب المدافعة عن ألبانيا .
فقد إعتنقت هذه الأخيرة منذ أمد تحليلا للوضع العالمي مفاده أن التناقض الذى يحكم عصرنا هو التناقض بين الإشتراكية والرأسمالية فقط وهو تكرار للمقولات التحريفية الخروتشوفية التى إعتبرت أن هذا التناقض هو الذى يحدد وضعنا الراهن والتى دعت للتعايش السلمي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي الذى ينجر عنه الحل السلمي والبرلماني للتناقض بين رأس المال والعمل فى البلدان الرأسمالية والتناقض بين الإمبريالية والشعوب المضطهَدة .
إن حزب العمال "الشيوعي" التونسي الذى يردد شجبه لدغمائية القوى الماركسية-اللينينية الحقيقية بتونس هو الذى يردد بصورة دغمائية وعمياء محاور الدعاية الألبانية التى طعنت علم الثورة البروليتارية العالمية فى الظهر وشقت الحركة الشيوعية العالمية وزادتها إنقساما وبلبلة . ( أنظر "ردا على حزب العمل الألباني ").

(II) المجتمع "الرأسمالي " أطروحة قديمة فى ثوب جديد :

يتحدث برنامج "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" عن إتجاه تطور الرأسمالية فى تونس والمهمة التاريخية للطبقة العاملة فيقول :" كانت تونس قبل مجيئ الإستعمار الفرنسي بلدا إقطاعيا وحولها غزو القوى الأوروبية مع مطلع الستينات إلى شبه مستعمرة ثم تحولت منذ 1881 إلى مستعمرة فرنسية . فتم إدخال نمط الإنتاج الرأسمالي الذى أصبح تدريجيا النمط المهيمن فى المجتمع...غير أن هذا التطور الرأسمالي تم وفق مصالح الإحتكارات الإستعمارية مما أدى إلى تعطيل قوى الإنتاج الاجتماعية ومنذ 1956 تحولت بلادنا إلى مستعمرة جديدة تابعة للإمبريالية الغربية وتواصل توسع علاقات الإنتاج الرأسمالية وإنخرام علاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية" . إن نمط الإنتاج المهيمن حاليا فى مجتمعنا هو الرأسمالية من النوع التابع والمتخلف علاوة على وجود بقايا علاقات إنتاجية قديمة (بعض أشكال المؤاكرة ). "
هذه هي خلاصة نظرة حزب العمال "الشيوعي" التونسي حول طبيعة المجتمع فى تونس .
إن إعتبار تونس قبل خضوعها للإستعماري الأوروبي "بلدا إقطاعيا" كباقي الوطن العربي أمر لا خلاف فيه رغم أن التروتسكية التى ينحدر منها حزب العمال "الشيوعي" التونسي كانت لا تقر بهذا الأمر بل كانت تبتدع أنماط إنتاج غير علمية لوصف الوضع فى تونس تارة بأسلوب الإنتاج "الرعوي " وأحيانا ب"أسلوب إنتاج قبلي " أو "عشائري " "غير متجانس ومتعدد " مستلهمة هذه الأفكار العبقرية من الإقتصاديين التروتسكيين .
و لكن هل يعتبر الإقرار بأن تونس كانت بلدا إقطاعيا تطور إيجابي لهذا الفكر؟ لنر ذلك:
يشير برنامج حزب العمال "الشيوعي" التونسي ان تونس تحولت مع غزو القوى الأوروبية " مع مطلع الستينات إلى شبه مستعمرة ". جيد لكن أين ذهب الطابع الإقطاعي الذى كان سائدا بصورة كلية ، هل هو يندرج ضمن كلمة شبه مستعمر أم قضي عليه فجأة ؟ كأن البرنامج لا يجيبنا عن ذلك لكن الحقيقة هي بقاء علاقات الإنتاج الإقطاعية هذه وبداية تأثرها بالتسرب الإستعماري الأوروبي وغزو الأسواق والإستعباد المالي مما جعل القطر يتحول إلى شبه مستعمر شبه إقطاعي وبالتأكيد أن حزب العمال "الشيوعي" التونسي كاد ينطق بهذه العبارات لولا خوفه من أن تكون "بدعة شعبوية "- حسب زعمه – رغم ان الحركة الشيوعية العالمية حددت هذا المفهوم العلمي . ولقد إستقى حزب العمال "الشيوعي"التونسي كلمة "تحول تونس مع مطلع الستينات إلى شبه مستعمرة" من مؤلف لوتيسكى "تاريخ الأقطار العربية الحديث" لكن نظرة البرنامج أتت إحادية الجانب وكان النقل غير أمين لأن لوتسكي أطنب فى وصف الإستعمار المالي لتونس و تحولها إلى شبه مستعمرة بإعتبار ذلك تطور جديد بدأ يبرز إلى جانب الطابع الإقطاعي . وفى هذا الصدد يقول لوتسكى فى الصفحة 225 من مؤلفه المذكور، طبعة دار الفرابي " و أخذ الوضع يزداد سوءا فى تونس من يوم إلى يوم إذ أضيف الإستعباد الأجنبي إلى النير الإقطاعي . فلم تمس الإصلاحات جوهر النظام الإقطاعي الذى إحتفظ به كلية " . هكذا إذا فإن التسرب الإستعماري لم يقض على علاقات الإنتاج الإقطاعية و بذلك كانت تونس شبه مستعمرة شبه إقطاعية .
فلماذا إقتصر حزب العمال "الشيوعي" التونسي على وصف المجتمع فى هذه الفترة بأنه شبه مستعمرة فقط ؟ هل هو معاداة لإستعمال المفهوم العلمي شبه مستعمرة شبه إقطاعية ؟ مما سيجرد هذا الحزب من أحد الأسلحة التى بني عليها وجوده وهي دحض هذا المفهوم العلمي .ثم هل أن الحديث عن طبيعة المجتمع هو ضرب من التحيّل والمخاتلة ؟ لأن تغييب الوجه الثانى لطبيعة المجتمع إبتداءا من ستينات القرن الماضي و حتى الاستعمار المباشر هو مقصود . وهو مجرد رياضة فكرية و ليس تحليلا ماديا تاريخيا للمجتمع. فالبرنامج يدعى أن الرأسمالية اصبحت مهيمنة بتونس و الملاحظ فى البداية هو عدم ذكر كيف أصبح "نمط الإنتاج الرأسمالي ... مهيمنا" حيث ان حزب العمال "الشيوعي" التونسي يكتفى بالتحليل المجرد لأنه يكره "الأرقام والنسب مجهولة المصدر التى يقدمها الشيوعيون الماويون المدافعون عن أطروحة طبيعة المجتمع كمجتمع شبه مستعمر و شبه إقطاعي كما ورد فى الصحيفة المركزية لحزب العمال "الشيوعي" التونسي فى العدد التاسع.
أدخل الإستعمارالفرنسي حتما علاقات رأسمالية لكنها علاقات لا تخدم التراكم الداخلي فهي مخربة للإقتصاد الوطني ومعرقلة لنموه وهي لم تقوض العلاقات الإقطاعية فى الريف وبالتالي فهي لم تحدث تغييرات نوعية بضرب الإقطاعية والإنتقال من نمط إنتاج إلى نمط إنتاج أرقى . إن الماركسية –اللينينية تعلمنا أن نمط الإنتاج يتشكل من وحدة القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج والأولى "هي العنصر الأكثر حركية و ثورية ... وفى درجة معينة من التطور تتجاوز القوى المنتجة نطاق علاقات الإنتاج القائمة وتدخل فى صراع معها". و بودنا معرفة من هي القوى التى قوضت العلاقات الإقطاعية ليصبح النمط المهيمن فى تونس هو "الرأسمالية" حسب زعم حزب العمال "الشيوعي" التونسي . إن الجواب عن هذا السؤال نجده فى برنامج هذا الحزب الذى يقول إن الإستعمار الفرنسي "أدخل نمط الإنتاج الرأسمالي الذى أصبح ...المهيمن... " فالإستعمار إذا هو الذى قام بدور القوى المنتجة الثورية حسب هذا المنطق وهو الذى ألقى بالعلاقات الإقطاعية فى مزبلة التاريخ . وهذا دليل أن تحليل "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" التروتسكي يعطى للإستعمار المباشر أو الجديد دورا "ثوريا" لا غبار عليه و يصف كل من يحاول إدانة هذه النظرة الخطيرة و يرفضها بشتى النعوت.
إن برنامج "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" يتظاهر بأن الإستعمار يقوم بتعطيل قوى الإنتاج الإجتماعية وفى نفس الوقت يذكر أنه يضرب العلاقات الإقطاعية أي أنه يلعب دورا "ثوريا" فى تنمية القوى المنتجة المناهضة للإقطاع وإحداث التغيير النوعي فى علاقات الإنتاج . و هذا أمر خاطئ و خطير الأبعاد.
يتظاهر تحليل حزب العمال "الشيوعي" التونسي بأنه فضح الدور المعرقل للإمبريالية و الواقع أنه منحها شهادة فى "الثورية " و القدرة على تحرير القوى المنتجة من العلاقات الإقطاعية .
إن عرقلة الإمبريالية لعلاقات الإنتاج لايكمن فى كونها تمد سكة واحدة أو عشرة سكك فهي تفعل هذا أو ذاك حسب ضرورات نهبها للثورات و تركيزها لبعض الصناعات الملحقة بل تكمن عرقلة علاقات الإنتاج فى منع قيام صناعة وطنية و منع القضاء على العلاقات الإقطاعية .
وهذه المهمة التاريخية لم يعد بمقدور أية قوة إنجازها إلا قيادة الحزب البروليتاري للثورة الوطنية الديمقراطية/ الديمقراطية الجديدة التى تضرب الحضور الإمبريالي المباشر أو الجديد وتقضى على العلاقات الإقطاعية وتقيم السلطة الديمقراطية الشعبية المتحولة نحو الإشتراكية فالشيوعية .
لم يقدر برنامج "حزب العمال "الشيوعي" التونسي " رغم التحليل الخاطئ الذى توصل بموجبه إلى إعتبار تونس بلدا" رأسماليا متخلفا " على طمس وجود الإقطاع بعد أن كان التروتسكيون يرفضون الحديث عن وجوده فى شكل بقايا لكن يبدو أن التروتسكيين الجدد أجبروا على التأقلم مع تطور الحركة الماركسية –اللينينية و الثورية
و التى لم تعد تقبل الأطروحات المثالية البعيدة عن الواقع التى تطمس وجود إقطاع و دوره الإقتصادي و السياسي
و الفكري والثقافي ولذا أقر برنامج "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" بأنه إثر 1881 أصبح الإنتاج "الرأسمالي" مهيمنا وهو إقرار بوجود نمط آخر غير مهيمن . و يضيف أنه منذ 1956 تحولت تونس إلى مستعمرة جديدة و تواصل "توسع علاقات الإنتاج الرأسمالية و إنخرام علاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية " و لذلك "فإن نمط الإنتاج المهيمن حاليا فى مجتمعنا هو الرأسمالية علاوة على وجود بقايا علاقات انتاجية قديمة (بعض أشكال المؤاكرة) . "
دفع التحليل الخاطئ بأصحاب البرنامج إلى استعمال كل الصيغ العامة والفضفاضة (" علاقات ما قبل الرأسمالية " و "علاقات قديمة " ) لتجنب ذكر كلمة العلاقات الإقطاعية وكأنها كابوس يعكر صفوة تحليلهم والحقيقة أن غياب التوضيح فى الحديث عن العلاقات الإقطاعية محرج لأنه يمثل فجوة فادحة فى تحليل هؤلاء من شأنها أن تقوض تحليلهم كله لذا يقع الإكتفاء فى كل مرة بالتقليل من العلاقات الإقطاعية أو إبتذالها أو عدم الحديث عنها البتة فهي فى بداية القرن الماضى سائدة ثم "مع مطلع الستينات " غابت بعصا سحرية ثم هي فى عهد الإستعمار المباشر "غير مهيمنة " و فى فترة الإستعمار الجديد "تنخرم" "كعلاقات ما قبل رأسمالية " . وهي حاليا "بقايا علاقات إنتاجية قديمة (بعض أشكال المؤاكرة ) ". ومن مجرد "بعض أشكال مؤاكرة" تتحول عند الحديث عن المهام فى برنامج "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" تتحول إلى المطالبة بإلغاء "بقايا أشكال العلاقات ما قبل الرأسمالية (الخماسة ،المغارسة )" و "الإلتحاق بصنف الأجراء بالنسبة للبحارة ". وهكذا يتضح الخيط الرابط بين كل هذه التجديدات والتى تهدف بصورة إرادية ذاتية إلى طمس العلاقات الاقطاعية المتواجدة فى المدينة والريف ، فى الزراعة والصيد البحري. و كأن الواقع الإقتصادي رغبة ذاتية و ليس واقعا موضوعيا . وقد أدت هذه النزعة الإرادية- المثالية الذاتية- البرجوازية الصغيرة إلى سيل من التحاليل المتناقضة فى الصحيفة المركزية "لحزب العمال "الشيوعي" التونسي" فهي تتحدث عن جمع الحلفاء بالقصرين فتتحدث تارة عن العمال الذين يقومون بذلك و تارة عن أنهم " فلاحو جمع الحلفاء " و فى مجال آخر تتحدث هذه الصحيفة عن مشروع " بن شباط " بتوزر الذى يستغل الفلاحين الفقراء حين تحول من علاقات مغارسة إلى " تزاوج الأشكال الإستغلالية ما قبل رأسمالية والرأسمالية ".
و فى موقع آخر تتحدث الصحيفة عن " وليّ صالح بقرية سبيبة وهو يوظف الخزان الهائل من قوة العمال المسخرة لخدمة بدون مقابل فأصبح برجوازيا زراعيا كبيرا وهو أحد مصاصي دم الفلاحين ". إلى غير ذلك من الأمثلة التى تحاول إبراز كل شيئ بمظهر برجوازي رأسمالي و لو كان أفضع الدراويش الإقطاعيين وإضفاء طابع الأجرة عليه و لو كانت العلاقات المتبعة علاقات إقطاعية .
يهدف إقرار برنامج " حزب العمال "الشيوعي" التونسي" بوجود بعض العلاقات "ما قبل الرأسمالية" للتأقلم مع تطور الحركة الماركسية –اللينينية فى القطر وهو مجرد إقرار شكلي لانه إقرار لفظي جزئي لا يمس طبيعة المجتمع ولا طبيعة الثورة ولا التناقضات الأساسية التى تشق المجتمع. ( أنظر" تحديد طبيعة المجتمع العربي") .
-1- صياغة جديدة للتناقض بين رأس المال و العمل :

جر التحليل الخاطئ لطبيعة المجتمع "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" إلى تحديد خاطئ للتناقضات الأساسية التى تشق المجتمع و لطبيعة الثورة و قواها وأعدائها. وسيجر حتما إلى رسم مهام وتكتيكات و ممارسة خاطئة . مما يجعل هذا الحزب ليس حزبا ماركسيا –لينينيا بل حزبا تروتسكيا يضاف إلى طابور الأحزاب الإصلاحية المنتشرة بتونس و على إمتداد الأقطار العربية .
و طلع علينا "حزب العمال"الشيوعي" التونسي" ببدعة تتمثل فى وضع تناقضات أساسية تشق المجتمع بتونس فى برنامجه وهي على النحو التوالي :
- التناقض بين الشعب...و بين الإمبريالية ...و البرجوازية الكبيرة المحلية ...
- التناقض بين الفلاحين و بين البرجوازية الزراعية و بقايا الاستغلال ما قبل الرأسمالي.
- التناقض بين الطبقة العاملة و البرجوازية .
يبين التمعّن فى هذه التناقضات أن التناقض الأول يتضمن التناقضين الآخرين ...فلماذا هذا التمطيط إذن؟ ولماذا هذا التحديد الثلاثي الذى لم يرد فى برنامج أي حزب ماركسي –لينيني؟ هل هو للتوفيق بين وجهات نظر و كتل مختلفة داخل الحزب ؟ أم لذر الرماد على العيون و اللعب على كل الخيوط ؟ أم لتغطية الجوهر التروتسكي القديم الذى يعتبر تونس بلدا "رأسماليا" يشقه التناقض بين العمل و رأس المال فتكون الثورة فيه "إشتراكية" فالتناقض الثالث بين الطبقة العاملة و البرجوازية يؤكد الحفاظ على الجوهر التروتسكي الذى يطمس المسألة الوطنية و يتحدث عن البرجوازية و كأنها مثل كل برجوازيات البلدان الإمبريالية متعمدا الخلط .
إن " حزب العمال "الشيوعي" التونسي" لم يغير شيئا من جوهر الطرح التروتسكي تحت ضربات الخط الماركسي-اللينيني. ومن جهة أخرى يعدُ الحديث عن " التناقض بين الفلاحين و بين البرجوازية الزراعية و بقايا الإستغلال ما قبل الرأسمالي" إشارة ضمنية و لكنها خجولة إلى وجود علاقات إقطاعية مع عدم التجرء على ذكرها بوضوح . فلماذا حملت التناقضات الأساسية كلها تحديدات طبقية واضحة (طبقة عاملة، فلاحين، برجوازية إلخ) ما عدا فى هذا الجزء من التاقض الأساسي الثاني؟ حيث إستبدل التحديد الطبقي الواضح الذى يعنى طبقة الإقطاعيين بإشارة غامضة هي "بقايا الإستغلال ما قبل الرأسمالي "؟ بينما تمثل أشكال الاستغلال "ما قبل الرأسمالي " والتى هي تحديدا علاقات إقطاعية وليست عبودية أو مشاعية ، تمثل تناقضا أساسيا يختلف عن التناقض بين "البرجوازية و الطبقة العاملة " أو " بين الإمبريالية و الشعب ". إنه تناقض بين الإقطاعية وجماهير الفلاحين الذى يمثل إلى جانب التناقض بين الإمبريالية وأداتها الصهيونية والبرجوازية الكمبرادورية من جهة والشعب من جهة أخرى ، التحديد العلمي والصائب للتناقضين الأساسيين فى مجتمعنا الزراعي المتخلف.
2- تغييب أعداء الشعب :

إن خليط التناقضات الأساسية المذكور من قبل "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" سرعان ما يتعارض مع تحديد هذا الحزب لأعداء الثورة . فهو يحدد ثلاث تناقضات أساسية ينبثق عنها ثنائي أعداء فقط . فيقول إن الإمبريالية و الرجعية المحلية (البرجوازية الكبيرة ) تقفان أمام تطور القوى المنتجة لمجتمعنا ...
و هكذا إذن يتجلى بوضوح أن " حزب العمال "الشيوعي" التونسي " إعتمد فقط التناقض الأول لفرز الأعداء حيث يكتفى برنامج "حزب العمال "الشيوعي"التونسي" بذكر الإمبريالية كعدو و يضيف خاصة الأمريكية و الفرنسية ملازما الصمت حول الإمبريالية الإشتراكية التى تتسرب إلى قطرنا بمختلف الوسائل و التى تجثم إلى جانب الإمبريالية الأمريكية و باقي الإمبرياليات على صدر الأمة العربية المضطهَدة . غض الطرف هذا هو مغازلة للإمبرياليين السوفيات و لمختلف التحريفيين جزاء الخدمات التى يقدمونها للتروتسكيين فمكنتهم من الإنتعاش و الهجوم المنسق على الماركسية –اللينينية .
هذا من جهة ومن جهة ثانية ، يغيب برنامج "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" الصهيونية كأداة للإمبريالية بإعتبارها إحدى الأعداء الألداء للوطن العربي و لكل قطر على حدة . و ما الغارة الصهيونية على حمام الشط بتونس و زيارة بيريز للمغرب و النشاط الصهيوني فى مختلف الأقطار إلا دليل على أن الصهيونية والكيان الصهيوني كأدوات للإمبريالية لا يستهدفان فلسطين بمفردها بل يستهدفان لبنان و الأردن و سوريا و مصر والعراق وتونس و كامل الوطن العربي لإبقائه تحت الإحتلال المباشر أو الإستعمار الجديد و التجزئة و التخلف.
و من جهة ثالثة ، يعمد هذا الحزب إلى تغييب البرجوازية الكمبرادورية الوسيطة العميلة مكتفيا بصيغ عامة ك "البرجوازية المحلية " أو "البرجوازية الكبيرة " أو "البرجوازية " فقط وهو ربما يحاول تجنب إستعمال عبارة الكمبرادورية بإعتبار أن الحزب الشيوعي الصيني و الرفيق ماو طورها بشكل خلاق . إلا أنه فات "حزب العمال "الشيوعي" التونسي"أن هذا الإستعمال من مكاسب التراث الشيوعي العالمي وهو تحديد علمي فرض نفسه.
ومن جهة رابعة ، يغيّب " حزب العمال "الشيوعي " التونسي" طبقة الإقطاعيين كأحد الأعداء الألداء لجماهير الفلاحين و كل الشعب فالبرنامج يتحدث عن "الأشكال ما قبل رأسمالية " و "المؤاكرة " و "المغارسة و الخماسة " و البيان التأسيسي يتحدث عن" الحريم الإقطاعي" لكن كل هذه العلاقات الإقطاعية لا تتجسم فى طبقة رجعية تمثلها طبقة الإقطاعيين . و بذلك يكون التكريس المفضوح لمقولة " المجتمع الرأسمالي " و"الثورة الإشتراكية " و "التناقض بين رأس المال و العمل " وهي أجلّ خدمة يقدمها " حزب العمال "الشيوعي" التونسي" للإقطاعيين بالتكتم عنهم بعد أن تكتم عن الإمبريالية الإشتراكية و الصهيونية و البرجوازية الكمبرادورية .
-3- طرح منقح "للثورة الإشتراكية " :

و يتوج تحليل "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" بتحديد طبيعة الثورة فهي "ثورة شعبية ذات طابع ديمقراطي وطني " . وبالرغم من تنصيص برنامج هذا الحزب على أن التناقض بين الشعب و بين الإمبريالية و البرجوازية ...هو الرئيسي" و "يرتبط بحسمه حسم التناقضين الآخرين ، يضع هذا الحزب الطابع الوطني فى درجة ثانية و بالتالي يحول النضال ضد الإمبريالية إلى نضال من درجة ثانية و تصبح الطبقات المحلية هي الأخطر وكأنها ليست صنيعة الإمبريالية و لا تحيا فى ظل حمايتها .
أضف إلى ذلك أن الطابع الديمقراطي للثورة لا يقصد به حل المسألة الزراعية والقضاء على العلاقات الإقطاعية وعلى ملاك الأراضي الإقطاعيين وتحقيق الإصلاح الزراعي الجذري وفقا لمبدأ "الأرض لمن يفلحها " بل يعنى مجرد النضال من أجل "الحرية السياسية " وهذا ما يفقد النضال الديمقراطي جوهره ويحول الحديث عن "ثورة شعبية ذات طابع ديمقراطي وطنى" إلى مجرد قناع لثورة غامضة المصالح هي فى آخر المطاف لا تختلف كثيرا عن الطرح التروتسكي المعتاد حول "الثورة الإشتراكية ضد الرأسمالية المحلية أو العالمية " فلا فرق بين الثورتين إلا فى الشكل . و طالما أن هذا التحديد يقفز على الواقع الطبقي والوطني فهو لا يعدو أن يكون مزايدة لفظية .
فى حين ينبع التحديد العلمي للثورة بأنها وطنية ديمقراطية من الفهم العلمي لطبيعة المجتمع وللتناقضين الأساسيين التاليين : التناقض بين الإمبريالية وأداتها الصهيونية و البرجوازية الكمبرادورية من جهة و الطبقات الشعبية من جهة أخرى الذى يعطى الطابع الوطني للثورة والتناقض بين الإقطاعية وبين الشعب والذى يعطى الطابع الديمقراطي للثورة و يرتبط الطابعان ببعضهما البعض و بصورة وثيقة و لكن الدور الرئيسي و الأبرز يبقى الطابع الوطني .


-4- القفز على المرحلة الديمقراطية الشعبية :

ويزداد الوجه التروتسكى إنكشافا عند الحديث عن برنامج المهام البالغ عددها 70 فهو يتضمن : تغييبا كاملا لمرحلة السلطة الديمقراطية الشعبية التى يجب أن تلي حتما الثورة الوطنية الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة وبالتالي غاص البرنامج فى المهام ذات الطابع الإشتراكي التى تكشف مرة أخرى أن الثورة المنشودة من طرف "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" هي ثورة إشتراكية لا تأخذ بعين الإعتبار طبيعة المرحلة . فلئن تتطلب السلطة الديمقراطية الشعبية قيادة البروليتاريا ونواة إشتراكية فإن السلطة الديمقراطية الشعبية تختلف عن دكتاتورية البروليتاريا من حيث هي مرحلة إنتقالية يلعب فيها التحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين دورا بالغ الأهمية . إلا أن برنامج "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" خلط الفرق بين المرحلتين فقد ورد فى الجزء المتعلق ب"البرنامج الزراعي " أنه لا بد من "إصلاح زراعي جذري يتضمن :
1) مصادرة أراضى الملاكين العقاريين الكبار دون تعويض و تأميم كامل الأراضي بالبلاد.
2) تحرير الفلاحين ...بما فى ذلك منح الأراضي لمستحقيها إن إقتضى الأمر. "
إن هذين البندين متناقضين تماما . فشعارتأميم كامل الأراضي بالبلاد هو شعار تروتسكي يصح فقط لأشدّ البلدان الرأسمالية تطورا . وهو لن يتحقق إلا فى مرحلة متطورة من بناء الإشتراكية إذ أنه لا يمكن تأميم كامل الأراضي بالبلاد ...ولم يقع ذلك حتى إثر الثورة البلشفية الإشتراكية . و معنى هذا الشعار هو المشركة الكاملة للأرض وهو يعنى إنتهاء الملكية الصغيرة الذى لن يتم إلا فى مرحلة راقية من البناء الإشتراكي . فالملكية الصغيرة تظل فى فترة الإشتراكية قائمة رغم أنها تكون ثانوية و ضعيفة و سائرة نحو الزوال و لكن "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" لم يعترف بهذه الحقيقة و قام بهذه الشطحة التروتسكية . و فى محاولة لتدارك أمره و شطحاته فقد إستدرك فى : "تحرير الفلاحين ...بما فى ذلك منح الأراضي لمستحقيها إن إقتضى الأمر ".
فكيف سيتم "تحرير الفلاحين إذا تم تأميم كامل الأراضي بالبلاد" ؟ ذلك لن يتم بغير تحويلهم بعصا سحرية إلى "عمال زراعيين " فى تعاونيات إشتراكية أما "منح الأرض لمستحقيها " فهو شعار للتمويه وذلك لأنه مشترط أولا ب"إن إقتضى الأمر" و بالتالى فإن الأمر يمكن أن لا يقتضى و كأنها مسألة خاضعة للتأويل أو للإحتمال و ليست تحليلا ماديا للمجتمع ستنبثق عنه مهام واضحة ومحددة .ُ ثم إن " منح الأرض لمستحقيها " يتناقض على طول الخط مع " تأميم كامل الأراضي بالبلاد" . ومن هم " مستحقيها "؟ هل أن الأمر يتعلق بإجراءات طبقية ثورية و حازمة أم مجرد إعانات إجتماعية لمستحقيها المعوزين ؟ .
-5- نشر التروتسكية تحت غطاء محاربة "الشعبوية " :

تكشف هذه المعطيات حول " البرنامج الزراعي " ل"حزب العمال "الشيوعي" التونسي" مدى إحتقاره للفلاحين ومدى إبتعاده عنهم وجهله لوضعيتهم وبالتالي كيفية إنعتاقهم . ويرجع ذلك لجوهره التروتسكي الذى يعادي الفلاحين ويتهمهم ب" التخلف " و"الجهل " و هذا الجوهر التروتسكي هو الذى صمتت عليه أدبيات " حزب العمال "الشيوعي" التونسي ". كما حاول إخفاء هذه التروتسكية بشن هجوم مجاني على "الشعبوية "المزعومة مهاجما بذلك الخط الماركسي-اللينيني و الثورة الوطنية الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة و الوعي بأهمية المسألة القومية العربية و غيرها .
يحاول"حزب العمال "الشيوعي" التونسي" بدغمائيته وضع نفسه موضع بليخانوف وهو يحارب الشعبوية فى روسيا فى أواخر القرن الماضي . فالشعبويون هم أولئك الذين رأوا فى الرأسمالية حادثا عرضيا فى روسيا و كذلك البروليتاريا و لذلك لم يعتبروها طليعة الحركة الثورية بل ظنوا أن جماهير الفلاحين هم القوة الرئيسية فى الثورة التى يؤهلون لقيادتها "أهل الثقافة" و"المشاعة" الزراعية و بذلك كانوا يريدون بناء الإشتراكية بدون البروليتاريا ثم إن الشعبويين لا يعتبرون أن التاريخ من صنع الطبقات وصراع الطبقات بل يعتبرونه من صنع نخبة من الشخصيات الممتازة و"الأبطال " ولذلك طوروا الأساليب الفردية الإرهابية لضرب القيصرية .
إن هذه الشعبوية التى قذف بها "حزب العمال "الشيوعي" التونسي " الخط الماركسي-اللينيني لا وجود لها إلا فى ذهن قادة "حزب العمال "الشيوعي" التونسي " الذين يختلقون الأوهام ثم يحاربونها . أما الحركة الماركسية –اللينينية فى تونس فهي تعرف أن الرأسمالية التى تحولت إلى إمبريالية ليست حادثا "عرضيا" بل إن الهيمنة الإمبريالية التى أدخلت أساليب إنتاج رأسمالية و لم تقض على العلاقات الإقطاعية والإقرار بوجودها لا يعنى "شعبوية "بل هو فهم علمي للواقع العيني الطبقي الذى يتطلب الثورة الوطنية الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة التى لن تتحقق إلا بقيادة الطبقة العاملة و حزبها الماركسي –اللينيني و بناء السلطة الديمقراطية الشعبية والتحول نحو الإشتراكية فالشيوعية . و لن يتم ذلك إلا بتعبئة كافة الطبقات الشعبية صانعة التاريخ وليس بالإرهاب الفردي بل بالعنف الثوري الذى يتخذ فى مجتمعنا شكل الكفاح المسلح بأسلوب حرب الشعب طويلة الأمد .
نسي " حزب العمال "الشيوعي" التونسي " أن بليخانوف الذى حارب الشعبوية فعلا كان يحمل بذرة الإحتقار للفلاحين وتغييب دورهم الهام وأهمية التحالف الإستراتيجي بين البروليتاريا والفلاحين . وقد طور لينين النضال ضد الشعبوية وسدد لها الضربة النهائية لكنه بدأ النضال ضد مختلف إنحرافات بليخانوف الذى تحول إلى صف التوفيقيين والمناشفة.
و" حزب العمال " الشيوعي " التونسي " بدأ من حيث إنتهى بليخانوف . فهو يرفع غطاء محاربة الشعبوية لتمرير الخط التروتسكي الجديد –القديم و إيهام الطبقة العاملة و الشعب بأن مهمة بناء حزب بروليتاري لقيادة الثورة قد أنجزت وهو يحارب الطرح الماركسي-اللينيني حول التحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين وبقية الشعب فى وجه الإمبريالية والكمبرادور والإقطاع . وهو يحارب الشعبوية المزعومة محذرا من "الإنحراف الفلاحي –البرجوازي الصغير" فى الوقت الذى تعاني الحركة الماركسية –اللينينية بالعكس من عدم الإنصهار فى جماهير الفلاحين وخاصة في الارياف.
-6- حزب إصلاحي يؤمن بالتحول السلمي :
ورغم إلتحاف البرنامج والبيان التأسيسي ل"حزب العمال "الشيوعي" التونسي" ومختلف أدبياته بقشرة ثورية يسراوية ومزايدات تروتسكية فإن هذه القشرة تنفتح على جوهر إصلاحي تحريفي عند الحديث عن أسلوب التغيير الذى سيتبعه الحزب .فقد غاب أي حديث عن العنف الثوري كمسألة مبدئية لا يمكن لأي حزب ثوري إحداث الثورة بدونها لأن الإمبريالية والطبقات الرجعية لن تزول من تلقاء نفسها ولن تسقط سلطتها إلا عندما تسقطها الجماهير بقيادة حزب الطبقة العاملة الذي ككل حزب يضع قضية افتكاك السلطة في صدارة جدول اعماله .
لقد إكتفى البرنامج بقوله " تحطيم جهاز الدولة الاستعماري الجديد والإطاحة بثنائي البرجوازية الكبيرة والهيمنة الإمبريالية من أجل تحقيق الإستقلال الكامل والفعلي..." فكيف سيتم هذا" التحطيم "وهذه "الإطاحة" أو "القضاء" فهل أن مصير الثورة وأسلوب التغيير فى حاجة إلى الضمنيات أم أن هذا الغموض مقصود لتمرير المفاهيم الإصلاحية وترك أسلوب التغيير للتأويل والإجتهاد حسب كل فرقة و كتلة سواء :"الكفاح المسلح" أو "الإنتفاضة العامة " أو الإضراب العام " أو لم لا بالطرق السلمية و"التغيير الديمقراطي" وبالنشاط فى اطار القانون و شبه العلنية و حتى بطلب تأشيرة فى العمل السياسي من النظام . فالكلام الطنان حول" الإطاحة" و "التحطيم " دون تحديد الطريقة يظل مجرد كلام فضفاض خاصة اذا تبين عكس ذلك في الممارسة العملية.
ويذكرنا ذلك بأسلوب التحريفيين الماكر الذى يستعمل كل الصيغ الغامضة مثل" إستكمال الثورة الوطنية الديمقراطية " و"التغيير الجذري" و"البديل الجماهيري" و"التاريخي" وغيرها من العبارات و المفاهيم التحريفية.
ويهدف التلاعب المقصود من طرف "حزب العمال "الشيوعي" التونسي " لإبقاء وجه ذا طابع ثوري للحفاظ على الأنصار والدفاع فى الواقع عن برنامج إصلاحي أدنى للحرية السياسية ناقلا بصورة دغمائية ومشوهة مقولات لينين حول الوضع فى روسيا الرأسمالية إلى تونس شبه المستعمرة شبه الإقطاعية متوهما الحصول على "الحرية السياسية" من الإمبريالية والصهيونية وطبقتي الكمبرادور والإقطاع ليواصل إستنهاض الجماهير نحو "ثورته " إلا أن النضال من أجل "الحرية السياسية" لايمكن أن يمثل مرحلة قائمة الذات ولا يمكن أن ينفصل عن الثورة الوطنية الديمقراطية/ الديمقراطية الجديدة والنضال ضد الإمبريالية والصهيونية وعملائها وضد العلاقات الإقطاعية المتخلفة .
-7- دفاعا عن حرب الشعب :

إن عجز "البرجوازية الوطنية " عن قيادة الثورة الديمقراطية لا ينبغى أن يجر إلى ما فعله تروتسكيو "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" والحديث عن " النضال من أجل تكوين الأمة العربية يمر أولا عبر الأخذ بعين الإعتبار الحدود المصطنعة ... والدول المنفصلة " وأن "الثورة لن تكون عربية ... ولا بالحرب الشعبية طويلة الأمد أو بمسيرة كبرى عربية ( كالفتح الإسلامي )" بل "إن الثورة لن تكون إلا ثورة كل شعب عربي على حدة ".
يخلط التروتسكيون عمدا بين عجز "البرجوازية الوطنية " عن تحرير الأمة المضطهَدة وبين نفي وجود الأمة وبالتالي يتحدثون عن "تكوين" مقبل لها . أما كيف يتم ذلك فبالأخذ بعين الإعتبار الحدود المصطنعة والدول المنفصلة ونفي وجود الشعب العربي وقبول الأمر الواقع الإمبريالي والصهيوني والرجعي وعزل أجزاء الشعب العربي عن بعضها البعض بالحديث عن " الشعب التونسي " و" الشعب المصري " و"الشعب اللبناني" ويمكن أن يصح شعب لحدي وشعب بيروتي شرقي وغربي وطرابلسي وكل ما يفرضه الواقع الإمبريالي الصهيوني الرجعي.
يحارب " حزب العمال "الشيوعي" التونسي" التجزئة بالإقرار بالتجزئة ويحارب الحدود المصطنعة بتقديس هذه الحدود المصطنعة التى داستها الجماهير فى العديد من المناسبات وهو فى نطاق الإقرار بالأمر الواقع وبالحدود المصطنعة يقر واقع "حدود " الكيان الصهيوني المتموجة والذى يسمونه "دولة إسرائيل" ويبعثرون القضية الفلسطينية " قضية الفلسطينيين وحدهم لا يحق لأحد التدخل فيها " إذ "إن الثورة لن تكون إلا ثورة كل شعب عربي على حدة " وبالتالي فإنهم يريدون تأييد الإحتلال الصهيوني ذلك أن الفلسطينيين مطالبون بتحرير فلسطين على حدة وبعد إحترامهم وأخذهم بعين الإعتبار الحدود المصطنعة . وذلك يعنى عدم الإنطلاق من أي قطر عربي لتحرير فلسطين وإلا أصبح ذلك خرقا للحدود الواجب إحترامها حسب زعم "حزب العمال"الشيوعي" التونسي" وإلا أصبح ذلك ضربا من "الحرب الشعبية طويلة الأمد أو مسيرة كبرى عربية (كالفتح الإسلامي )" .
و لعل التروتسكيين أرادوا هنا الإستهزاء ب "المسيرة الكبرى " التى قادها الرفيق ماو حيث تنقل الجيش الأحمر الصيني فى تشرين الأول 1931 مسافة 12،5 ألف كيلومتر عبر 11 مقاطعة طيلة 12 شهرا لتجنب حملات التطويق والإبادة من طرف الإمبرياليين والرجعيين وقد توجت المسيرة الكبرى بإقامة قواعد محررة جديدة أصبحت مركز ا لقيادة الحزب والثورة وبإرهاق الأعداء وبالقيام بالدعاية بين 200 مليون من الشعب الصيني مرت بمناطقهم المسيرة الكبرى. كما تم تركيز نواتات فى 11مقاطعة سرعان ما أثمرت حرب عصابات و تطورت إلى حرب الفرق الكبرى نسبيا فالجيوش الكبيرة وتحرير كامل الصين . وهذا هو التطبيق الخلاق لحرب الشعب طويلة الأمد التى يستهزأ التروتسكيون من وراء مكاتبهم بها و بقيادتها وبالحزب والشعب الذى خاضها وقدم فى سبيل الظفر مئات الآلاف من الشهداء .
ويحاول التروتسكيون إثارة البلبلة بالخلط بينها وبين الفتوحات الإسلامية التى تعكس أحداثا تاريخية وقوى طبقية مغايرة تماما وتختلف عن الظروف التى تسعى فيها القوى الظلامية حاليا إلى إحياء الشريعة الإسلامية .
و لا يكتفى التروتسكيون بالدفاع عن تقسيم الشعب العربي إلى" شعوب " بل يصرون على تقسيم نضال الجماهير العربية وحصره فى الحدود المصطنعة التى تعمل الإمبريالية على تثبيتها وتكثيفها. وهم يظنون أن الشعب العربي سينتظر نصائحهم وسيحترم الحدود الزائفة التى داسها ويدوسها من خلال الإنتفاضات والكفاح المسلح ضد الإستعمار القديم والجديد سواء أثناء ثورة عز الدين القسام أو الثورة الجزائرية أو المقاومة الوطنية الفلسطينية حاليا.
إن الواقع العربي والأهمية التى يحتلها الريف الذى يضم أغلبية الفلاحين وشساعة الريف وإستحالة سيطرة الأعداء عليه مقابل سهولة سيطرتهم على المدن كل ذلك يجعل الثورة الوطنية الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة لايمكن أن تحدث فى يوم واحد من المحيط إلى الخليج كما يشوهها التروتسكيون. بل لا بد أن تتم عبر نضال مريرطويل النفس تتشابك فيه الانتفاضات مع كل اشكال العنف الجماهيري من حرب العصابات الى الحرب الشعبية و بناء الجبهة الوطنية الديمقراطية وجيش التحرير الشعبي تحت قيادة شيوعية. ويقع ذلك عبر بناء القواعد الثورية خاصة فى الأرياف والبدء بتحرير المناطق التى تمثل الحلقات الأضعف فى السيطرة الإمبريالية الصهيونية الرجعية وبذلك تقام المناطق الثورية الحمراء التى لن تحترم حتما الحدود المصطنعة ولن تتقيد بها وسيقيم الحزب الشيوعي – الماوي- فوق المناطق الثورية المحررة سلطة العمال والفلاحين وترسى نواة السلطة الديمقراطية الشعبية وتشرع فى تطبيق برنامج هذه السلطة ومواصلة تحرير باقي المناطق حتى التحرير الكامل.
تلك هي الخطوط العريضة لإنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة إلا أن الجماهير ستبدع أشكال نضال وتنظيم جديدة حسب الواقع الموضوعي والقوى الذاتية كما أن الإنطلاق من واقع التشتت الراهن للقوى الماركسية –اللينينية العربية يتطلب مجهودات كبيرة للخروج إلى وضع التنسيق فالوحدة فقيادة النضال .
ويشن" حزب العمال "الشيوعي" التونسي" حملة هستيرية ضد الفكر الماركسي-اللينيني-الماوي ليبرر سيره عمليا فى مواقف الأممية الرابعة التروتسكية وهي مواقف الأحزاب التحريفية التى يتظاهر بمحاربتها والحال أنه يشترك معها فى حملته المسعورة على الماركسية –اللينينية- الماوية ويعقد معها الاتفاقات بتعلة معارضة الحكم الفردي .
-8- تطرف لفظي و ممارسة يمينية:

وفى الوقت الذى يحاول فيه" حزب العمال "الشيوعي "التونسي" الظهور بمظهر المحارب للإنحرافات وبمظهر القوة الثورية الماركسية-اللينينية الناشئة نجده يكرس سياسة المهادنة تجاه أعداء الطبقة العاملة والشعب فهو يغازل التحريفيين ويدافع عنهم و يتبنى بعض مواقفهم و يشجع الشرعوية . كما نراه من جهة أخرى يعرقل عدة إضرابات بأحجام مختلفة كما حدث بالنسبة لإضراب التعليم الثانوي فى نيسان /أفريل 1986 . هذا إلى جانب تحويل الجامعة إلى ساحة للمهاترات اللفظية ورفع شعارات الإنتهازية ضد الثورة الصينية والرفيق ماوتسى تونغ فى الوقت الذى يدافعون فيه عن حق التحريفيين فى القيام بالدعاية خلال الإجتماعات العامة بالجامعة .
و من هنا لا يكفى النضال الإيديولوجي ضد الخط الإنتهازي الذى يطوره" حزب العمال "الشيوعي" التونسي" بل لا بد من فضح ممارسة هذا الحزب التى تكشف المحتوى الحقيقي الاصلاحي للشعارات الثورجية والشكل اليسراوي و فضح القطيعة بين القول و الفعل .
-9- التروتسكية تعادى المسألة القومية :

قام"حزب العمال "الشيوعي" التونسي" فى مقررات مؤتمره حول المسألة القومية بإعادة مواقف التروتسكيين السابقة فى الستينات والسبعينات مع إدخال تعديلات شكلية عليها . فقد قام بالسحب الدغمائي لتحديد الرفيق ستالين لمفهوم الأمة الصادر سنة 1913 و الذى يخص الأمة البرجوازية ( كما ذكر ستالين نفسه فى الصفحة 317 من كتابه حول المسألة القومية و الإستعمارية " ،الطبعة الفرنسية )
و صمت" حزب العمال "الشيوعي" التونسي" عن مفهوم الأمم المضطهَدة وتجاهل التغيير الذى طرأ على المسألة القومية إثر إنتصار ثورة تشرين الأول /أكتوبر 1917. وتوصل من خلال التمسك الدغمائي ببعض الصيغ بمعزل عن إطارها التاريخي وبمعزل عن ماضى الأمة العربية المضطهَدة وواقعها إذ قال:" إن القومية هي الأمة فى طور التكوين أو فى طور الزوال". فجدد التروتسكيون بذلك موقفهم الوارد فى نقدهم الذاتي المزعوم الصادر فى 1974- حيث إنتقدوا "إستعمالهم للهجة العامية التونسية" ودفاعهم المفضوح عن الكيان الصهيوني .و خلط "حزب العمال "الشيوعي" التونسي" عمدا مفهوم الأمة المضطهَدة بالأقليات القومية ووضعها فى نفس المستوى مع اليهود الذين إعتبرهم أقلية دينية .
تكمن خطورة مواقف هذا الحزب فى تعويمه لمفهوم الأمة المضطهَدة وسط سيل من الجمل الثورية وإعتباره ضمنيا أن الصهاينة يمثلون اقلية "قومية" أو دينية ووضعهم على نفس المستوى مع الشعب الكردي بل يضعهم ضمنيا على نفس المستوى من الأمة العربية التى تمثل حسب زعمه مجرد "قومية مضطهَدة " يمكن أن تكون سائرة نحو "التشكل أو ذاهبة نحو الزوال" .
و بذلك يطمس الشكل التاريخي لمقومات الأمة العربية كالأرض المشتركة واللغة المشتركة والعوامل النفسية المجسدة فى ثقافة مشتركة . أما بالنسبة للوحدة الإقتصادية فإن الإمبريالية وعملائها يمنعون حدوثها لإبقاء الأمة العربية مستعبدة مجزأة.
تشق مقررات هذا الحزب التناقضات التى تعكس تواجد وجهات نظر مختلفة فى مسائل إستراتيجية حسب المبدأ التروتسكي القائل بالسماح للكتل بالتواجد داخل المنظمات التروتسكية . وهذه الكتل المتصارعة متفقة على ما يلى :
أولا :البقاء فى العموميات والسرد النظري الدغمائي المجرد الذى هو إحدى خاصيات التروتسكية.
ثانيا : الحديث عن الأمة بالمفهوم البرجوازي التى ولي عهدها بالفعل وعن الأمة الإشتراكية التى يطمح لها كل الشيوعيين الماركسيين –اللينينيين- الماويون فعلا ، لكن التروتسكيين قفزوا كعادتهم على الواقع الحالي وتناسوا مفهوم الأمة المضطهَدة الرازحة تحت النير الإمبريالي والإضطهاد الإقطاعي والتى لا يمكن أن تتوفر لها الوحدة الإقتصادية طالما لم تتخلص من أعدائها وأن هذه الوحدة تتجسد يوميا فى النضال ضد الإمبريالية والإقطاعية .
ثالثا : تجاهل التروتسكيون أن المسألة القومية فى المستعمرات وأشباهها وفى مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية/الديمقراطية الجديدة هي مسألة تقدمية كما سبق لستالين وللحركة الشيوعية العالمية أن حددت ذلك وكما سبق لستالين أن دحض آراء تروتسكي والكتل التروتسكية حول رجعية المسألة القومية فى المطلق خاصة حول الوضع فى الصين ( أنظر "حول الصين " الصفحات 261-287 من نفس المصدر السابق ) .
رابعا: تصور التروتسكيون أن تحرر الأمة مسألة تقتصر على النضال ضد الإمبريالية متجاهلين علاقة المسألة القومية بالمسألة الزراعية وتحرير الفلاحين ، إذ أن المسألة القومية هي فى جوهرها مسألة الفلاحين كما قال ستالين
-10- طرح الطبقة العاملة للمسألة القومية :

يحاول " حزب العمال "الشيوعي" التونسي" عمدا تشويه موقف الماركسيين – اللينينيين من المسألة القومية وتقديمه فى مظهر "شوفيني" رغم وضوح مقررات الحركة الشيوعية العالمية حول هذه المسألة الداعية إلى مساندة حق الشعوب والأمم المضطهَدة فى التحرر والإنعتاق. وتستمد الطبقة العاملة فى الوطن العربي موقفها من هذه المقررات وهوموقف يختلف عن مواقف باقي الطبقات حيث ما زال التحرر الوطني مهمة ثورية فى أشباه المستعمرات والمسألة القومية ليست ثورية أو رجعية فى المطلق بل هي تدرس فى علاقة بالطبقات وبالمرحلة التاريخية التى تطرح فيها.
إن إنعتاق الأمة العربية المضطهَدة مهمة ثورية لن تتحقق إلا بقيادة الطبقة العاملة المتحالفة مع جماهير الفلاحين و باقى الطبقات الشعبية . ويحاول التروتسكيون إبراز دفاع الماركسيين –اللينينيين-الماويين عن الأمة العربية والنضال من أجل تحررها من الإضطهاد القومي على أنه "موقف برجوازي" طامسين أن إنعتاق الأمم المضطهَدة لم يعد من مهام قيادة البرجوازية بل أصبح منذ ثورة تشرين الأول /أكتوبر 1917 من مهام قيادة البروليتاريا التى تدافع عن الأهداف الأممية وتناهض كل أشكال الشوفينية لكنها تأخذ بعين الاعتبار فى الوطن العربي ضرورة الإنعتاق من النير الإمبريالي وحل المسألة الزراعية وضرورة إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية /الديمقراطية الجديدة وبناء السلطة الديمقراطية الشعبية كخطوة للإنتقال نحو الإشتراكية فالمجتمع الخالي من الطبقات . إن إنجاز المسألة القومية يصب بعد ثورة تشرين الأول/أكتوبر 1917 فى الثورة الإشتراكية غير أن ذلك لا يعنى بأي حال من الأحوال القفز على الواقع كما يفعل التروتسكيون .
ويعيب "حزب العمال "الشيوعي "التونسي" على الماركسيين –اللينينيين- الماويين دفاعهم عن المسألة القومية ويتحدث فى آن واحد عن مساندة "برجوازية الأقليات القومية " ويقصد "الكردية والبربرية " وربما اليهودية لأنها "مضطهدَة " من قبل البرجوازية العربية ويتناسى أنه يوجد نوعان من البرجوازية العربية :
أولا : البرجوازية الكمبرادورية الخادمة للإمبريالية والمنفذة لمخططاتها فى إضطهاد الجماهير العربية والكردية إلخ ...
ثانيا : البرجوازية الوطنية التى ترزح بدورها تحت الإضطهاد الإمبريالي وتتعرض للضغط من قبل الكمبرادوريين والاقطاعيين مما يجعل هذه البرجوازية طبقة متذبذبة .
و الإقرار بذلك لا يعنى تبنى طرح البرجوازية الوطنية التى ولى عهد قيادتها للثورات الديمقراطية وحل عصر الثورات الديمقراطية من طراز جديد عصر الثورات الوطنية الديمقراطية/ الديمقراطية الجديدة بقيادة الطبقة العاملة كجزء من الثورة الإشتراكية العالمية بتياريها : الثورة الإشتراكية فى الدول الرأسمالية الإمبريالية والديمقراطية الجديدة /الوطنية الديمقراطية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات .
ولا يعنى عجز البرجوازية الوطنية عن قيادة النضال من أجل تحرر الأمة أن الأمة العربية "مشروع طوباوي" إذ أن وجود الأمة العربية حقيقة مادية لا تحتاج إلى تأشيرة التروتسكيين المدافعين عن الواقع الإمبريالي والإقطاعي [...] .
ولم تقض البرجوازية الوطنية التى إشتركت فى السلطة فى بعض الأقطار العربية على طبقتي البرجوازية الكمبرادورية والإقطاع وهي عاجزة على أن تفعل ذلك بحكم إنتقال الدور القيادي للثورة الوطنية الديمقراطية/ الديمقراطية الجديدة إلى الطبقة العاملة . لذا تعايشت البرجوازية الوطنية مع الكمبرادور والإقطاع ولم تعتمد على الجماهير الشعبية . فتمكنت هاتين الطبقتين ومن ورائهما الإمبريالية من تخريب كافة محاولات الوحدة الفوقية التى عقدت بعيدا عن الجماهير المتطلعة للوحدة التى لن تتم إلا بعد القضاء على
أعدائها وليس بالتهادن معهم كما فعلت وتفعل البرجوازية الوطنية./








 

هناك تعليق واحد:

  1. دون الدخول في التفاصيل ، تعليق بسيط : طرحكم هذا في الأسبوع ذاته الذي يعلن فيه عن تشكيل الجبهة الشعبية ، يكشف عن إنتاهزية مفرطة و محاولة يائسة لافشال توحد القوة الثورية التقدمية.. لكن هيهات (:

    إن كان لكم برنامج ملموس لتجاوز الأزمة في تونس و خوض الصراع ضد القوى الرجعية (و ليس في النيبال ولا في الهند ولا الصين الشعبية..) فمرحبا، نحن لكم صاغون ! sinon عاونونا بالسكات و اكتفوا بالإمضاء في المسودات متاع الفوضويين "اللاسلطوين" في تونس..

    (أنا مستقل لا انتمي إلى أي حزب)

    ردحذف