الأربعاء، 19 يناير 2011

مشروع برنامج سياسي للماركسيين اللينينيين الماويين في الوطن العربي

مدخل :
تشن الامبريالية وعملاؤها هجوما واسع النطاق ضد عمال العالم وشعوبه و اممه المضطهدة , وتتعالى صيحات رجعيي مختلف البلدان معلنة الهزيمة النهائية للشيوعية. و يجري في هذا المجال استغلال تفسخ التحريفية العالمية التي تخفت وراء قناع اشتراكي زائف ما لبثت أن نزعته عن نفسها لكي تظهر على حقيقتها كاحدى مكونات النظام الرأسمالي العالمي.
كما يتم في نفس الاتجاه استثمار الثورات العلمية و التقنية خاصة في مجالات الاتصال والمعلوماتية والبيولوجيا من قبل الإيديولوجيين البرجوازيين عبر الادعاء أن العالم قد دخل مرحلة تاريخية جديدة وهي العولمة التي وحدت كل الشعوب والأمم في قرية كونية واحدة لكي تحقق للبشرية الرخاء المنشود بعيدا عن صراعات الماضي وحروبه الدامية فالتاريخ حسب زعمهم بلغ منتهاه و عصر الثورات ولى وانقضى .
غير أن وقائع الصراع الطبقي تثبت في كل حين إن العولمة ليست إلا مظهرا من مظاهر الامبريالية تتسم بانفراد الامبريالية الأمريكية بزمام المبادرة لتمرير مشاريعها كمشروع الشرق الأوسط الكبير والمناطق الحرة في القارة الأمريكية من كندا إلى التشيلي ومنطقة التعاون في آسيا كما أن العولمة تعني كذلك العودة إلى الاحتلال المباشر والتدخل العسكري المكشوف لتنصيب العملاء الجدد أو تثبيت العملاء القدامى.
إن العولمة تعني سيطرة المؤسسات المالية عبر المنظمة العالمية للتجارة وتحول الدول إلى مجرد أداة تطبق املاءات صندوق النقد الدولي وتلبي رغبات المؤسسات المالية و تستعمل الامبريالية للغرض العديد من الشعارات لمواصلة إخضاع الشعوب و منع المقاومة. فترفع شعار محاربة الإرهاب للتصدي لكل نفس وطني يعارض سياسة النهب كما ترفع شعار الديمقراطية لتبرير التدخل والاحتلال أو كذلك لتغذية النزعات الطائفية و القبلية وتوظيف الدين لمزيد تجزئة الشعوب والأمم المضطهدة.
و في مواجهة ذلك تقف البروليتاريا الثورية على أعتاب مرحلة نضالية حاسمة تستدعي حشد طاقاتها وتنظيم صفوفها لتحقيق تحررها الذي لن يكون في كل الأحوال إلا من صنعها هي نفسها وهو ما يفرض على الشيوعيين في شتى البلدان تنظيم هذه المواجهات و الدفع بها في اتجاه القضاء على استغلال الإنسان للإنسان. ولن تتحقق هذه المهمة دون إعادة بناء الحركة الشيوعية العالمية على أسس صلبة وراسخة انطلاقا من تجاوز النقائص والأخطاء وبناء على تقييم علمي وموضوعي للتجارب الاشتراكية السابقة والتمسك بالايجابيات وتطويرها حسب تطور واقع الصراع الطبقي.
وفي الوطن العربي لا تزال القوى الماركسية اللينينية الماوية تعيش واقع التشتت والحلقية مما حال دون بروزها كقوة منظمة ونتج عن ذلك انتعاش الانتهازية التي راحت تشكك في اسس الشيوعية متسترة وراء شعار المراجعة ومحاربة التطرف والدغمائية و لعبت الإصلاحية المبنية على أساس الوفاق الطبقي دورا بالغ الاثر في تخريب نضال الطبقة العاملة ومجموع الشعب.
لذلك على الشيوعيين الماويين التسلح ببرنامج سياسي والتشكل على أساس حزبي يضمن استمرارية العمل ويفتح آفاق التنسيق بين مختلف القوى الشيوعية في الوطن العربي و في العالم ويعمل على إرساء تقاليد جديدة .

الجزء الأول النظري
أولا : عصرنا عصر انهيار الامبريالية و انتصار الثورة الاشتراكية
حمل النظام الرأسمالي بذور فنائه منذ نشأته نظرا للتناقض الأساسي الذي يشقه وهو التناقض بين رأس المال و العمل أي بين البرجوازية والبروليتاريا هذه البروليتاريا التي برزت كحفار قبر الرأسمالية و التي سرعان ما خاضت النضالات من اجل تحررها ومثلت كمونة باريس سنة 1871 فجر الثورة الاجتماعية الكبرى.لقد تتالت أزمات النظام الرأسمالي وازدادت حدتها ودوريتها واتساعها خاصة مع بلوغ الرأسمالية مرحلتها العليا: الامبريالية، مرحلة رأس المال الاحتكاري المتعفن و الطفيلي والمحتضر.فاحتدت تناقضات الامبريالية التي دخلت مرحلة أزمتها العامة فاندلعت الحرب الامبريالية الأولى وتلتها ثورة أكتوبر-تشرين الأول-الاشتراكية العظمى عام 1917 التي افتتحت عصرا جديدا هو عصر انهيار الامبريالية وانتصار الثورة الاشتراكية.
لقد حملت ثورة أكتوبر معها الحلول العملية للتناقضات التي تنخر النظام الرأسمالي. فحسمت التناقض بين رأس المال و العمل لفائدة الشعب في روسيا والاتحاد السوفياتي لاحقا ولو ظرفيا ولعبت دورا محددا في التأثير إيجابا في التناقض امبريالية- شعوب و دفعت هذا التناقض نحو الحسم لفائدة الشعوب وأضعفت من جهة ثانية التناقض بين الامبرياليات وأوجدت التناقض بين النظام الاشتراكي الناشئ والنظام الراسمالي المحتضر.وظلت التناقضات الأربعة آنذاك تتحكم في مجرى الصراع الطبقي والنضال الو طني (التنتاقض بين الامبريالية و عملائها من جهة و الشعوب و الامم المضطهدة من جهة اخرى-التناقض بين راس المال و العمل في البلدان الراسمالسية و المسماة زيفا اشتراكية-التناقض بين الامبرياليات و التناقض بين النظام الاشتراكي و النظام الراسمالي.) وظل الصراع بين الاتجاه الاشتراكي وبين الاتجاه الرأسمالي قائم الذات وأصبح التساؤل المطروح بالنسبة للكادحين يتمثل في: هل ستحسم التناقضات لفائدة عمال العالم وشعوبه المضطهدة أم ستتمكن الرأسمالية من إعادة بناء نفسها ؟
إن توسع المعسكر الاشتراكي خاصة بعد الحرب الامبريالية الثانية وتحول الأنظمة الديمقراطية الشعبية في أوروبا الشرقية وفي الصين الشعبية إلى انظمةاشتراكية بعث الأمل لدى بقية الشعوب المضطهدة خاصة وأن هذه الأنظمة الناشئة والفتية حققت مكاسب سياسية واجتماعية وثقافية مهمة وأثبتت للكادحين وللبشرية جمعاء أن النظام الاشتراكي الجديد فتح عصر انهيار نظم استغلال الإنسان للإنسان وبروز السلطة البروليتارية . وقد سجل التاريخ إبداعات الكادحين خاصة في الاتحاد السوفياتي زمن لينين وستالين و في الصين الاشتراكية بقيادة ماو تسي تونغ و شملت هذه الإبداعات كل المجالات . غير أن التاريخ لا يتقدم حسب خط مستقيم إذ فشلت التجربة الاشتراكية الناشئة وتمكنت العناصر المتبرجزة والبيروقراطية من تحويل أجهزة الحزب الشيوعي والدولة الاشتراكية إلى أجهزة برجوازية في خدمة إعادة بناء الرأسمالية ولم تنجح محاولات الثورة الثقافية وإعادة تربية الكوادر في دعم التوجه الاشتراكي كما أن محدودية النضال ضد تواصل إقرار الحق البرجوازي والفشل في إدارة الصراع الطبقي مثل الخلط بين ديكتاتورية البروليتاريا وديكتاتورية الحزب وطمس دور المنظمات العمالية والفلاحية والشبابية والنسوية الخ...إن هذه العوامل إلى جانب الدعم الامبريالي للكتل المتبرجزة ساهم بصفة مباشرة في إفشال التجربة والالتفاف عليها من الداخل و تحويل الدول الاشتراكية إلى دول راسمالية تتحدث زيفا باسم الشيوعية والاشتراكية.
إن التجربة الاشتراكية تجربة فتية وناشئة هزمت أنظمة الاستغلال آنذاك وصمدت لمدة تناهز نصف القرن في وجه النظام الامبريالي العالمي ولا يعتبر فشلها لأول مرة انتصارا نهائيا للامبريالية بل أنها مازالت تمثل مستقبل البشرية والبديل الاجتماعي لنظام الاستغلال لذلك يحاول الاستعمار بكل الوسائل تشويه الشيوعية وتقديم أنظمة برجوازية الحزب والدولة مثل الصين حاليا على أنها أنظمة اشتراكية والى جانب ذلك تعتمد الامبريالية والرجعية العميلة في أشباه المستعمرات كل الوسائل لقمع الشيوعيين والوطنيين الديمقراطيين ومنع الكادحين من حرية التنظم والتعبير للحيلولة دون تشكل الطبقة العاملة كطبقة لذاتها قادرة على النضال والسير بباقي الطبقات الثورية نحو التحرر والاشتراكية.
إن فشل التجربة الاشتراكية لا يعني تغير طبيعة العصر أو طبيعة التناقضات التي تحكم العالم لكنه يعني تغير موازين القوى وانعكاس ذلك على طرفي التناقض. ففي التناقض بين الامبريالية و الشعوب تظل الامبريالية حاليا الطرف الرئيسي وهو ما يفسر حدة الهجوم من جهة وضعف الحركة الثورية من جهة ثانية كما أن التناقض بين رأس المال والعمل في البلدان الرأسمالية يشهد تحولا ظرفيا لفائدة البرجوازية الحاكمة .أما بالنسبة للتناقض بين الامبرياليات فان الطرف الرئيسي يظل انفراد الامبريالية الأمريكية بزمام المبادرة وفرضها الحل الذي يرضي الرأسمالية الأمريكية رئيسيا. إن فشل الاشتراكية وضعف الحركة الثورية عموما وتحول موازين القوى لفائدة معسكر الثورة المضادة يعني تفوق نظام استغلال الإنسان للإنسان ظرفيا وعلى المدى القصير أما على المدى البعيد فان التناقضات لا بد أن تحسم لفائدة عمال العالم وشعوبه المضطهدة بشرط توفر القيادة البرولتارية القادرة على السير إلى الأمام و القضاء على نظام استغلال الإنسان للإنسان.
إن واقع التناقضات يشهد يوميا تراكمات كمية لصالح هذا الطرف أو ذاك فتارة تسجل الجماهير تقدما ملحوظا تجني إثره مكاسب ثمينة وطورا تتمكن الرجعية من فرض سياسة النهب وتظل التناقضات متحركة على الدوام ويمكن ترتيبها انطلاقا من واقع الصراع كالآتي:
أ- التناقض بين الشعوب والأمم المضطهدة من جهة وبين الامبريالية وعملائها من جهة ثانية.
ب- التناقض بين البروليتاريا والبرجوازية في البلدان الرأسمالية وفي البلدان المسماة زيفا اشتراكية.
ج- التناقض بين الدول الامبريالية .
إن هذه التناقضات الثلاثة المتحكمة في طبيعة العصر ما فتئت تتأجج وهي تظل متشابكة وتفعل في بعضها البعض وبالرغم من هذا الترابط فان التناقض بين الامبريالية و الشعوب الذي يشق المستعمرات وأشباهها يظل تناقضا أساسيا ورئيسيا في نفس الوقت وهو يلعب دورا محددا في مجرى الصراع ضد الامبريالية وعملائها وهو بتطور النضال في مناطق آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية يقرب ساعة الثورة ويسلب الامبريالية احتياطها المادي والبشري الذي تعول عليه في حل أزمتها خارجيا وداخليا لذلك فان القوى الامبريالية تحاول بكل الوسائل طمس النضال الوطني في هذه البلدان و قمعه او تحويل وجهته و بث البلبلة حتى لا تتجه عملية الحسم وجهة الثورة الوطنية الديمقراطية المتحولة الي الاشتراكية و الشيوعية بل تبقى في إطار البدائل الامبريالية وتأخذ شكل صراع الكتل الحاكمة أو التداول على السلطة من خلال انتخابات تتحكم فيها الطبقات الحاكمة و يقع من خلالها تغيير المواقع أو الرموز لامتصاص غضب الجماهير وإيهامها بان التغيير قد حصل بتنحية المسؤول على اضطهادها ونهبها...
إن التناقض بين الامبريالية والشعوب الذي يشق المستعمرات وأشباه المستعمرات هو تناقض لا يحسم بالطرق السلمية بل بالعنف الثوري. وأثبتت الثورات الشعبية الظافرة إن هذا التناقض لا يمكن حله طالما لم يفرز النضال حزبا شيوعيا محكم التنظيم. إن مثل هذا الحزب فقط قادر على جر الطبقات الشعبية إلى النضال والوحدة وإرساء الجبهة الوطنية المعادية للامبريالية ولعملائها المحليين وانجاز الثورة الوطنية الديمقراطية المتحولة إلى الاشتراكية فالشيوعية. لكل ذلك فان ادعاءات منظري العولمة حول التحول السلمي أو حول تلاشي التناقضات من تلقاء نفسها هي ادعاءات لا أساس لها من الصحة كما إن الآراء القائلة بان "المباراة الاقتصادية " أو استبدال" الايديولوجيا بالمصالح" ستفرز عالما بلا حروب يتسم بالوفاق الطبقي والسلم الاجتماعية هي اراء تصطدم يوميا بواقع النضالات الدائرة في مناطق الزوابع الثورية حيث تتجمع فيها مختلف التناقضات في العالم.
إن الثورة الوطنية الديمقراطية في هذه المناطق كجزء لا يتجزأ من الثورة البروليتارية العالمية أصبحت ملقاة على عاتق البروليتاريا المنتظمة في حزبها الشيوعي والمتحالفة مع جماهير الفلاحين الفقراء وباقي الطبقات المضطهدة .
وهذا ما يطرح بإلحاح على البروليتاريا بقيادة حزبها الشيوعي مواجهة الامبريالية وعملائها و تطوير خطها الماركسي اللينيني الماوي في الصراع ضد الانتهازية والاصلاحية والتفكير والتنسيق مع القوى الشيوعية عربيا و عالميا.


ثانيا: المجتمع العربي مجتمع مستعمر و شبه مستعمر و شبه إقطاعي.
1) لمحة تاريخية.
رزحت الأقطار العربية طيلة قرون تحت الاحتلال الإقطاعي العثماني وشهدت تاريخا متقاربا رغم تطورها اللامتكافئ وكانت خلال القرن التاسع عشر تسير نحو الارتقاء إلى الرأسمالية. فقد بدأت الصناعة تنمو في أحشاء المجتمع العربي الإقطاعي وتطورت الحرف وبعثت بعض الورشات ووقعت بعض الإصلاحات الطفيفة في الزراعة .غير أن هذه الأقطار لم يتحقق لها التحول الطبيعي لان التدخل الامبريالي أجهض عملية النمو الداخلية وثبت علاقات الإنتاج الإقطاعية وحال دون توحيد السوق العربية آنذاك وعمق تجزئة الوطن.
وتمكنت الامبريالية بعد الاستعباد المالي لجل الأقطار من خلال التسهيلات العثمانية من الهيمنة المباشرة على مختلف الأقطار العربية وأصبح الوطن العربي مستعمرا استعمارا مباشرا بعد احتلال الامبريالية لأغلب أجزائه باستثناء جزء من الجزيرة العربية ووقع تقنين التجزئة بواسطة اتفاقيات امبريالية مثل اتفاقيات ساكس بيكو وكان وعد بلفور تتويجا لمؤامرات الامبريالية التي أفضت فيما بعد إلى تركيز كيان صهيوني استيطاني فوق جزء من الوطن العربي لخدمة مخططاتها ولتعميق تقسيم الشعب العربي.
لقد عجزت البرجوازية العربية طيلة هذه الفترة بسبب الاحتلال الإقطاعي العثماني والتدخل الامبريالي الأوربي وبسبب ضعفها اقتصاديا وسياسيا عن القيام بالثورة الديمقراطية البرجوازية. فظلت الامة العربية خاضعة للاضطهاد الامبريالي الإقطاعي و مقسمة إلي أقطار مختلفة رغم أنها تشكلت كجماعة مستقرة تاريخيا وتوفرت لها عناصر وحدة اللغة ووحدة الأرض ووحدة التكوين النفسي المجسد في الثقافة المشتركة و الوحدة الاقتصادية في علاقة بنمط الإنتاج الإقطاعي الشرقي القائم علي التمركز و هو ما يصح علي الأمم الشرقية بشكل عام .
إن الأمة العربية من جراء التدخل الامبريالي امة مضطهدة تناضل ضد الهيمنة الامبريالية والنير الإقطاعي لا يمكن لها التحرر والوحدة إلا بالقضاء على الامبريالية والإقطاع. وغدت هذه المهام جزءا لا يتجزأ من الثورة الاشتراكية العالمية بقيادة حزب الطبقة العاملة.
إن الجماهير العربية منذ القرن التاسع عشر لم تستسلم أمام وضعها المتردي فانتفضت في البداية ضد الاستعباد الأوربي و ما نتج عنه من تدهور لأوضاعها وواجهت الإقطاعيين. كما انتفضت فيما بعد ضد التدخل الاستعماري المباشر وأعلنت الحرب ضد المحتل واستمرت هذه الانتفاضات السنين العديدة واتخذت الطابع الوطني بالمعاداة الصريحة للاحتلال والطابع الديمقراطي بنضالها ضد الإقطاعيين. لكن رغم التضحيات الجسام فان هذه الانتفاضات لم تحقق التحرر الوطني الديمقراطي.
ثم بعد انتصار ثورة أكتوبر 17 شهدت الحركة الثورية عموما دفعا إلى الأمام وتأسست الأحزاب الشيوعية في كل أنحاء العالم وانفصلت عن التيار الاشتراكي الديمقراطي البرجوازي وانعكس ذلك على الصعيد العربي فدخلت الطبقة العاملة في الأقطار العربية ميدان النضال الطبقي والوطني موفرة الأساس المادي منذ العشرينات لنشأة الأحزاب والتنظيمات الشيوعية والنقابات ومختلف المنظمات الجماهيرية. فبعثت بنشوئها الأمل لدى الجماهير وفتحت أمامها آفاق التحرر والانعتاق. وقد لعبت بعض هذه الأحزاب في فترات محددة دورا ايجابيا و قدمت العديد من التضحيات.
لكن اندساس الانتهازية اليمينية في صلبها وانعزالها عن العمال والفلاحين حال دون تطبيق توصيات الأممية الثالثة في العديد من المسائل و تفاقم هذا الانحراف ليتوج بانتقال الأحزاب الشيوعية العربية النهائي إلى التحريفية أي إلى صف الثورة المضادة وإلى خدمة الامبريالية.
لكل ذلك غابت القيادة القادرة على إنجاح الثورة الوطنية الديمقراطية والتحول إلى الاشتراكية على غرار ما حدث في الصين الشعبية.فتمكنت طبقتا الكمبرادور والإقطاع من عقد الصفقات المفضوحة مع الامبريالية مستغلة تواطؤ شرائح من البرجوازية الوطنية معها في حين عمدت إلى تصفية الشرائح الوطنية التي تصدت لهذه الصفقات.
وهكذا تم استبدال الاستعمار القديم في اغلب إرجاء الوطن العربي باستعمار جديد يعتمد على عملائه من طبقتي البرجوازية الكمبرادورية وملاكي الأراضي الإقطاعيين.
2) الطابع المستعمر وشبه المستعمر.
إن استبدال الاستعمار المباشر في اغلب الأقطار العربية بالاستعمار الجديد لم يغير جوهر طبيعة المجتمع العربي. كما مكنت الامبريالية العصابات الصهيونية من تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين. لذلك يبقى الوطن العربي بلدا مستعمرا في بعض أجزائه مثل فلسطين والجولان و سبته و مليلة و عربستان و جزر الطمب الكبرى و الطمب الصغرى و أبو موسى ومنطقة الاسكندرونة والعراق...
إن الاستعمار المباشر هو أبشع أشكال السيطرة الامبريالية وهو يتخذ أساليب إرهابية وحشية فيشنع بالذات البشرية ويتخذ فيه النهب والاستغلال والقمع شكلا أكثر فظاعة وشراسة من الوضع في الأجزاء شبه المستعمرة.
أما الطابع شبه المستعمر فيبرز في:
- سيطرة الاحتكارات الامبريالية على أهم دواليب الاقتصاد في الصناعة والزراعة ويلعب صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة دورا محددا في رسم الخطوط العامة لهذه السيطرة و تكبيل الأقطار بالديون و فتح الأبواب للرأسمال الامبريالي.
- عدم وجود صناعة وطنية قادرة على توفير وسائل الإنتاج وضمان الاستقلال الاقتصادي. فالامبريالية تعمد إلى التقسيم العالمي للعمل فتستأثر بالصناعات الثقيلة التي تصنع وسائل الإنتاج وتدفع البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة إلى الاكتفاء بتركيز الصناعات الخفيفة والاستهلاكية والملوثة مثل الصناعات الصغيرة التحويلية والتركيبية هذا بالإضافة إلى أن الجزء الهام من هذه الصناعات نفسها موجه لخدمة السوق الامبريالية.
- ضعف مساهمة الصناعة في الدخل الوطني وتطور قطاع الخدمات على حساب الصناعة المعملية.
- تشغيل الصناعة الغذائية والنسيجية نسبة هامة من العمال الصناعيين.
- تحويل الأقطار العربية إلى ملحق للسوق الامبريالية وضرب الحرف والصناعة الوطنية والإبقاء عليها ضعيفة للغاية غير قادرة على الصمود أمام المنافسة العالمية.
- نهب خيرات الوطن والمواد الأولية والإنتاج الزراعي من قبل القوى الامبريالية التي تتمتع بكل التسهيلات المقننة بواسطة العديد من قوانين الاستثمار النهابة الخادمة للامبريالية( النفط و الغاز والفسفاط والحديد والقطن والحبوب والتمور والقوارص...)
- تركيز المناطق الحرة و المؤسسات الاحتكارية المعفاة من الأداء.
-فرض تبادل تجاري غير عادل وعقد اتفاقيات شراكة متعددة وخادمة للامبريالية تكبل الأقطار بالديون وتثقل كاهل الطبقات الشعبية.
- استغلال اليد العاملة بأجور منخفضة جدا .
- فتح القواعد العسكرية لمختلف الامبرياليات بالوطن العربي و منحها التسهيلات العسكرية البرية و البحرية والجوية و تنظيم المناورات المشتركة معها.
- العمالة السياسية و العسكرية و الثقافية للامبريالية.
- التخطيط باعتماد كل الوسائل لإبقاء الهيمنة عن طريق النظم الكمبرادورية الإقطاعية لقمع الجماهير و حركات التحرر الوطني.
3) الطابع شبه الإقطاعي .
يرتبط الطابع شبه الإقطاعي بالطابع شبه المستعمر و يبرز ذلك من خلال:
- المحافظة على أشكال الاستغلال الإقطاعي في المدينة و الريف.
- تشتت الملكية وسيطرة الإنتاج الصغير المعد للاكتفاء الذاتي مقابل احتكار الملاكين الكبار للأراضي الواسعة والخصبة.
-عدم انفصال المنتجين الصغار عن وسائل الإنتاج وبالتالي عدم تطور عدد السكان الصناعيين على حساب السكان الزراعيين رغم ارتفاع نسبة الحضر في بعض الأقطار.
- حجم السكان المرتبطين بالريف و العاملين في الزراعة يتجاوز %50 في اغلب الأقطار.
- تخلف أدوات الإنتاج ومحدودية المكننة وضعف استعمال الأسمدة.
- تدهور الإنتاج والإنتاجية وعرقلة القوى المنتجة بسبب العلاقات الإقطاعية .
- سيطرة الفكر الديني الاسطوري في المدينة والريف وتشجيع الأحزاب الظلامية إلى جانب المظاهر العشائرية والطائفية والقبلية وانتشار الأمية و تفشي الأمراض الاجتماعية.
- منع الجماهير الشعبية من ممارسة الحريات الديمقراطية كحق التعبير والنشر والتنظيم والتظاهر وحق الإضراب وفرض واقع الحصار العسكري والبوليسي.
- الاضطهاد المضاعف للمرأة فإلى جانب الاضطهاد الامبريالي تخضع المرأة إلى الاضطهاد الإقطاعي المقنن في العديد من التشريعات.
ثالثا : طبيعة الثورة : وطنية ديمقراطية.
1) التناقضان الأساسيان:
أ- التناقض بين الامبريالية وعملائها من جهة والأمة العربية المضطهدة من جهة ثانية.
ب- التناقض بين الفلاحين الفقراء وباقي الجماهير الشعبية الغفيرة من جهة وملاكي الأراضي الإقطاعيين المتحالفين مع الامبريالية من جهة ثانية.
يلعب التناقض الأول المتعلق رئيسيا بالمسالة الوطنية دورا هاما رغم علاقة التداخل الموجودة بين هذين التناقضين. فإذا لم يقع دحر الامبريالية يستحيل القضاء على الإقطاعية كما انه بدون النضال ضد مالكي الأراضي الكبار و بدون تجنيد جماهير الفلاحين بقيادة حزب الطبقة العاملة لا يمكن وضع حد للسيطرة الامبريالية و لا يمكن أن يتم التحرر الوطني الديمقراطي.
2) علاقة الثورة الوطنية الديمقراطية بالثورة الاشتراكية
إن تحديد مهام الثورة الوطنية الديمقراطية هو نتيجة لتحليل طبيعة المجتمع الذي يبرز بدون لبس الهيمنة الامبريالية بشكليها المباشر و غير المباشر بما في ذلك الاستيطان الصهيوني. وبقاء جماهير الفلاحين مستعبدة تحت علاقات إنتاج إقطاعية متخلفة.
إن الثورة الوطنية الديمقراطية لم تعد تنتسب إلى الثورات البرجوازية القديمة بل أصبحت منذ ثورة أكتوبر 17 جزءا لا يتجزأ من الثورة الاشتراكية العالمية وذلك نظرا لطبيعة العصر وبسبب الدور القيادي التاريخي لحزب الطبقة العاملة. إنها جزء من الثورة الاشتراكية لان السلطة الديمقراطية الشعبية تحمل نواة البناء الاشتراكي وتعمل باستمرار على توفير القاعدة المادية والشروط الضرورية للسير نحو الاشتراكية فالشيوعية.
تلك هي العلاقة الجدلية بين الثورة الوطنية الديمقراطية و البناء الاشتراكي ويخطئ كل من يحاول القفز على المهام الوطنية الديمقراطية والسير رأسا نحو"الثورة الاشتراكية" أو كل من يحاول حصر المرحلة الوطنية الديمقراطية في الأفق البرجوازي المسدود.
3) أعداء الثورة.
إن أعداء الثورة في الوطن العربي هم:
أ- الامبريالية بجميع أنواعها و الكيان الصهيوني كأحد أدواتها.
ب- طبقة البرجوازية الكمبرادورية بمختلف شرائحها مثل البرجوازية البيروقراطية و كل أنواع السماسرة وهي صنيعة الامبريالية و متحالفة مع طبقة الملاكين الكبار الإقطاعيين التي تمثل نمط الإنتاج الأكثر تخلفا. ويمثل هؤلاء الأعداء اقلية بالمقارنة مع جماهير الشعب الفقيرة.
4) القوى الثورية.
إن القوى الثورية هي كل القوى التي لها مصلحة في التحرر من الامبريالية وأداتها الصهيونية والرجعية العربية.فالشعب يتكون في مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي من كل الطبقات و الفئات المناهضة للأعداء المذكورين .بيد أن درجة الالتزام الثوري تختلف حسب مكانة كل طبقة من طبقات الشعب في عملية الإنتاج و في النضال من اجل التحرر الوطني الديمقراطي.
-أ- الطبقة العاملة:
تمثل الطبقة العاملة في الوطن العربي رغم ضعف عددها الطبقة الأكثر ثورية والوحيدة القادرة على قيادة الثورة حتى النصر النهائي و يرجع ذلك إلى: أنها تتمركز في مواقع الإنتاج والتجمعات الصناعية المرتبطة بوسائل الإنتاج الأكثر تطورا في المجتمع وهي لا تملك سوى سواعدها وليس لها ما تخسر إلا قيودها كما تمثل نظريتها :الماركسية اللينينية الماوية النظرية الأكثر ثورية وتضم الطبقة العاملة البروليتاريا الصناعية والعمال الزراعيين وعمال البناء والحضائر و أشباه البروليتاريا والعمال الموسميين والعاطلين عن العمل.
- ب- الفلاحون:
و يتكون الفلاحون من عدة فئات مثل الفلاحين الفقراء و الصغار ويشكلون عددا هاما من نسبة السكان الناشطين وهم الحليف الرئيسي للطبقة العاملة و الرافد الأساسي للثورة و للجيش الشعبي و حرب الشعب ولا بد أن توظف طاقاتهم لفائدة الثورة لذلك يتحتم على حزب الطبقة العاملة كسبهم وفضح التأثير الإصلاحي والغيبي الإقطاعي الذي يعرقل وعيهم وتطورهم.
- ج- البرجوازية الصغيرة : تشمل هذه الطبقة الحرفيين الصغار و صغار التجار و صغار الموظفين و رجال التعليم والطلبة بالإضافة إلى الشرائح الدنيا من المحامين والأطباء و المثقفين.
- د- البرجوازية الوطنية:
تتكون في المدينة من التجار المتوسطين وأصحاب الورشات والمصانع ذات رأسمال وطني وتتكون في الريف من الفلاحين المتوسطين والذين يعارضون السياسة الامبريالية وغطرسة ملاكي الأراضي الإقطاعيين.
لقد بقيت شرائح البرجوازية الوطنية بحكم السيطرة الامبريالية ضعيفة وظلت مواقفها متقلبة جدا وهي بصفة عامة ذات طابع مزدوج و تتسم بالتذبذب و تميل إلى التعامل مع الامبريالية والإقطاع كما بينت التجارب ذلك. وهي تعادي الشيوعية في العديد من الأحيان وتقف إلى جانب الشعب في أحيان أخرى. وقد بينت التجربة انه بازدياد حدة التناقضات الاجتماعية الداخلية وبلوغ الصراع الطبقي أرقى أشكاله تميل البرجوازية الوطنية إلى الامبريالية أكثر فأكثر وتعتمد عليها متبعة سياسة معادية للشعب و للشيوعية وللثورة ولذلك يتحتم معارضة السياسات الرجعية بحزم و عدم اعتبار البرجوازية الوطنية حليفا استراتيجيا في المطلق بغض النظر عن الأوضاع وعن مواقفها.
رابعا : الحزب الشيوعي
يعمل الماركسيون اللينينيون الماويون على تأسيس حزب الطبقة العاملة وعلى دفع عملية التنسيق عربيا وعالميا من اجل الاستفادة من التجارب وتطوير أشكال العمل المشترك.
و يعتبر الحزب الفصيل البروليتاري الأكثر وعيا والأكثر تنظيما والمبني على أساس الوحدة الايديولوجية والمنصهر في قاعدته الاجتماعية. انه حزب مسلح بالنظرية الماركسية اللينينية الماوية ويعتمد على المركزية الديمقراطية و النقد والنقد الذاتي والانضباط الحزبي الواعي من اجل دعم وحدته و تنقية صفوفه والتصدي لنزعة الانشقاق والتكتل. و لأجل تأسيس مثل هذا الحزب لا بد من:
- بلورة الخط الايديولوجي و السياسي في الصراع اليومي ضد الأعداء المفضوحين و ضد الفرق الإصلاحية يمينية كانت أم يسراوية.
- النضال الحازم ضد دعاة الحلقية و النشاط الحرفي و تركيز عمل حزبي مسؤول يقطع مع التذبذب البرجوازي الصغير ونزعات الانشقاق وحبك الدسائس.
- نشر الفكر الشيوعي وترويج أهم التجارب الوطنية الديمقراطية والاشتراكية وصهرها في جماهير العمال و الفلاحين والشبيبة.
- تجنيد الجماهير الكادحة داخل المنظمات الجماهيرية وخارجها وجعل هذه المنظمات أداة للصراع الطبقي وخزانا للنضال الثوري.
- توخي العمل السري أسلوبا رئيسيا في ظل الأنظمة العسكرية البوليسية وتوظيف النشاط العلني في اتجاه دعم البناء الذاتي وضمان استمرارية العمل وتوسيع جبهة الأنصار.
- تربية الكوادر على أسلوب التحقيق ومعرفة الواقع و الاستماع إلى الجماهير والقدرة على خوض المعارك ولف الجماهير حول الموقف الشيوعي والوطني الديمقراطي.
- اعتبار الطبقة العاملة قوة قائدة واستنهاض جماهير الفلاحين في الأرياف وإنقاذها من تأثيرات الرجعية وتحويلها إلى قوة رئيسية مهيأة لخوض الكفاح المسلح ضد الامبريالية و عملائها.
- المساهمة الفعلية في دعم التنسيق عربيا والالتزام بالأممية البروليتارية والعمل على إيجاد حد أدنى من العمل المشترك.
و تطرح مهمة تأسيس مثل هذا الحزب على كل المناضلين الذين تخلصوا من النظرة الحلقية الضيقة ومن العمل الحرفي العفوي والارتجالي و عقدوا العزم على الدفاع عن الشعب مهما كانت الصعوبات و العراقيل ووضعوا مصلحة الثورة فوق كل اعتبار.إن الأرضية الإيديولوجية و السياسية و التجربة التنظيمية متوفرة لتأسيس حزب ثوري مبني على أساس النظرية الثورية والأسلوب الثوري للماركسية اللينينية الماوية .فلا بد من تأسيس حزب ثوري يعرف كيف يمزج بين الحقيقة العامة للماركسية اللينينية الماوية وبين الأعمال المحددة للثورة في واقعنا العربي. لا بد من تأسيس حزب ثوري يعرف كيف يربط القيادة ربطا وثيقا بالجماهير الواسعة من الشعب. لا بد من وجود حزب ثوري يصلح الأخطاء ويعرف كيف يمارس النقد والنقد الذاتي و يطبق المركزية الديمقراطية والانضباط للقرارات الجماعية. إن مثل هذا الحزب الثوري فقط بوسعه أن يقود البروليتاريا والجماهير الواسعة من الشعب لهزيمة الامبريالية وعملائها و يكسب النصر خلال الثورة الوطنية الديمقراطية.

خامسا: الجبهة الوطنية الديمقراطية
إن الجبهة الوطنية الديمقراطية تختلف عن الجبهات المتواجدة من حيث تركيبتها الطبقية وقيادتها السياسية فالجبهات الحالية تعتمد على الأنظمة أو على قيادات إصلاحية مرتبطة بهذا النظام أو ذاك و تسير وفق برامج إصلاحية ولا تعتبر الجماهير صانعة التاريخ بل تعمل بصفة فوقية و لا تتوخى الأساليب الديمقراطية في اخذ القرار.
-تتركب هذه الجبهة من العمال و الفلاحين و البرجوازية الصغيرة و كل المناهضين للامبريالية والصهيونية و الرجعية العربية وتكون بقيادة حزب الطبقة العاملة الضامن الوحيد للسير بها نحو التحرر و الاشتراكية.
-تبنى هذه الجبهة في غمرة النضال الثوري وتتدعم أسسها تدريجيا من خلال الارتقاء بأشكال النضال والتنظيم من أشكال دنيا إلى الكفاح المسلح وحرب الشعب الأسلوب الرئيسي للتحرير مع الحفاظ على كل الأساليب الأخرى في خدمة الأسلوب الرئيسي.
-التزام الأطراف المشاركة في الجبهة بالتعامل الديمقراطي على أساس برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية .
- إن مشاركة حزب الطبقة العاملة في الجبهة و قيادته لها لا يجب أن تجره إلى فقدان استقلاليته الايديولوجية والسياسية و التنظيمية والتذيل لأطراف أخرى بل عليه أن يمارس على أساس الوحدة والصراع : الوحدة حول أسس الأرضية المشتركة مع العمل على تطويرها بتطور الممارسة والصراع ضد المواقف المنافية للأرضية الوطنية الديمقراطية و ضد المظاهر الرجعية و الاستسلامية والتوفيقية المساومة بمصالح الشعب .

سادسا : العنف الثوري.
إن تاريخ المجتمعات الطبقية هو تاريخ الصراع الطبقي الدائم بين الطبقة أو الطبقات الحاكمة وبين الطبقات المضطهدة. وقد دأبت الطبقات المسيطرة على استعمال شتى أشكال العنف الرجعي ضد الطبقات الشعبية.

و ما انفكت الامبريالية ترتكب أبشع الجرائم ضد الشعوب. فكانت الحربان الامبرياليتان الأولى و الثانية اللتان خلفتا عشرات الملايين من الضحايا.
وعلى مستوى الوطن العربي تفاقمت جرائم العنف الامبريالي الصهيوني الرجعي و تعددت المذابح و جهزت الأنظمة الرجعية الجيوش والمليشيات والأجهزة القمعية المختلفة لقمع نضال الجماهير و جندت جيشا من الموظفين الكبار ورجال الدين لتمرير شتى الإجراءات والخطط الرجعية. هذا فضلا عن أشكال العنف الرجعي الأخرى مثل مصادرة الحريات والتجويع والتجهيل والتهجير.
إن نفي ضرورة العنف الثوري تحت أية تعلة كانت يعني الاستسلام للعنف الرجعي كما يعني نفي الصراع الطبقي ونفي حتمية ديكتاتورية البروليتاريا. لذلك يتحتم على حزب الطبقة العاملة التصدي للتنظير الإصلاحي الاشتراكي الديمقراطي وإلى كل محاولات تمييع النضال الوطني و الصراع الطبقي و دحض أكذوبة التحول عبر"التنافس البرلماني" و تحقيق الوفاق الطبقي.
إن التجارب الثورية الظافرة والتجارب الحالية مثل تجربة الدرب المضيء في البيرو أو تجربة الحزب الشيوعي في النيبال (الماوي) تبين أن الصراع ضد الامبريالية لن يحسم بالطرق السلمية أو عبر الانتخابات المعروفة نتائجها مسبقا بل بالحرب الشعبية كأرقى إشكال الصراع الطبقي فالحرب الشعبية تعني نضال الجماهير المسلح ضد الامبريالية وعملائها وهي تعني خاصة التوصل إلى افتكاك السلطة في أي شبر تسيطر عليه الجماهير و لو وقتيا و تتعلم الجماهير من خلال الحرب الشعبية كيفية الحفاظ على نفوذها والقدرة على إدارة شؤون المناطق المحررة ولو لفترة وجيزة للغاية. وقد بينت التجارب أن تواصل الحرب الشعبية ومرورها بمراحل عدة لا ينفي تواجد اشكال النضال الأخرى مثل الإضراب أو المظاهرة أو الانتفاضة أو حتى التفاوض حسب موازين القوى مع الإشارة إلى أن كل هذه الأشكال تدعم الشكل الرئيسي وتعد عمليا لانطلاق الحرب الشعبية التي تسعى دوما إلى تركيز السلطة الديمقراطية الشعبية كلما سنحت الظروف بذلك و بتوسع رقعة سلطة العمال والفلاحين و باقي الطبقات الثورية وبتحول موازين القوى من الدفاع الاستراتيجي إلى توازن القوى فالهجوم الاستراتيجي تقترب ساعة التحرر.
إن هذا التوجه الاستراتيجي الذي عرفته العديد من التجارب في أشباه المستعمرات يتجسد بإشكال مختلفة من بلد إلى آخر حسب التطور اللامتكافئ لتجارب الشعوب ولواقعها المعيش. إن الشعب العربي يعيش الكفاح المسلح في فلسطين منذ أكثر من نصف قرن كما أن انتفاضات الفلاحين والحروب التحريرية مازالت راسخة في الأذهان إلى جانب انتفاضات الخبز المتعددة التي شهدتها العديد من الأقطار العربية. وتشهد الجماهير العربية الآن ما يحصل في العراق فالاستعمار يستعمل العنف ويشرع كل أشكال التعذيب لفرض سياسة النهب واحتلال الأرض ودوس الكرامة الوطنية والجماهير تواجه العنف الرجعي المتوحش بالعنف الثوري. إن العنف المعتمد من قبل قيادات رجعية أو انتهازية لا يؤدي إلى التحرر بل إلى استبدال سلطة رجعية بسلطة رجعية أخرى. غيران العنف الجماهيري الثوري بقيادة برولتارية ترسخ المكاسب وتتقدم نحو المزيد من تحرير الأراضي وتركيز المجالس الشعبية يظل الحل الوحيد أمام تحرر الشعوب.

الجزء الثاني العملي
أولا : المهام الإستراتيجية للسلطة الديمقراطية الشعبية
تبنى السلطة الديمقراطية الشعبية بقيادة حزب الطبقة العاملة على كل منطقة يقع السيطرة عليها أو تحريرها ولو ظرفيا والتقدم تدريجيا وحسب الظروف على أنقاض النظام القديم المنهار.
و تتخذ هذه السلطة شكل مجالس شعبية تتكفل بإدارة شؤون المناطق المحررة على كل المستويات في انتظار تحرير كل المناطق والإعداد إلى انتخاب جمعية وطنية بالاقتراع السري والمباشر تشرف على إيجاد الدستور الجديد والتشريعات الضامنة لمصالح الشعب و المدافعة عن استقلال الوطن وحرمته. وتعمل على تشكيل حكومة مؤقتة تنفذ ما يلي:
1) على المستوى السياسي
+ العمل من اجل تحرير كل شبر من الأرض العربية من الهيمنة الامبريالية والصهيونية والرجعية المحلية والتقدم نحو إرساء الوحدة العربية المبنية على أساس مصالح الشعب.
+ مناهضة النظام الامبريالي على كل المستويات ( فسخ الاتفاقيات المخلة بالسيادة الوطنية و المخربة للاقتصاد- طرد الأساطيل الأجنبية وإزالة القواعد العسكرية وطرد الخبراء و الجواسيس و حل المنظمات الصهيونية.)
+ إقرار الحريات العامة والفردية للجماهير الشعبية وتشجيع كل أشكال التنظم الجماهيري .
+ حق انتخاب الموظفين في الإدارات العمومية والقضاة وسن القوانين التي تنظم الحياة العامة و التي تمكن من تتبع كل من أثرى على حساب الشعب وأجرم في حقه وتحدد إمكانيات مراقبة الموظفين وشروط إقالتهم عند الضرورة.
+ فصل الدين عن الدولة وضمان حرية المعتقد وإقرار المساواة التامة بين الرجل و المرأة بقطع النظر عن الدين أو العرق أو اللون.
+ الدفاع عن حق الأقليات القومية في تقرير المصير وتسيير شؤونها بكل حرية.
+ دعم الأحزاب والمنظمات الشيوعية الماوية في العالم وحركات التحرر الوطني في نضالها ضد الامبريالية وضد كل أشكال الميز العنصري والمساهمة في التصدي لخطر الحروب الامبريالية والسباق نحو التسلح والنضال من اجل السلم العالمي وتمكين المناضلين من اجل الحرية والاشتراكية في العالم من حق اللجوء السياسي على قاعدة الأممية البروليتارية.
+ إقامة علاقات صداقة مع كل البلدان التي تحترم السيادة الوطنية وتقبل علاقات متكافئة على أساس المصلحة المشتركة.
2) على المستوى الاقتصادي
+ إرساء أسس الاقتصاد العربي الموحد المعبر عن طموحات الشعب العربي في التحرر والوحدة ومناهضة كل الاتفاقيات الاقتصادية المعبرة عن مصالح الامبريالية و الصهيونية و عملائهما.
+ تأميم ممتلكات الامبرياليين و محاسبة كل من أثرى على حساب الشعب وبناء اقتصاد وطني متكامل ذي نواة اشتراكية.
+ تسّير المؤسسات الاقتصادية بواسطة لجان الرقابة العمالية التي يجب ان تشمل أهم القطاعات مع ضرورة إيجاد نسيج صناعي متماسك بين قطاع الصناعة والفلاحة من جهة و الخدمات من جهة أخرى.
+ تشجيع الأشكال التعاونية في المدينة و الريف باتجاه تحرير قوى الإنتاج في خدمة الجماهير الشعبية.
+ مصادرة أملاك الإقطاعيين الذين اثروا من خلال تفقير الفلاحين وإعادة توزيع الأرض وفق شعار "الأرض لمن يفلحها" وإلغاء كافة العلاقات الإقطاعية.
+ تأميم التجارة الخارجية وإلغاء الاتفاقيات غير العادلة وعدم الاعتراف بالديون.
+ إقرار نظام جبائي عادل وتصاعدي حسب الدخل مع إعفاء ذوي الدخل الضعيف
+ محاربة التلوث وحماية البيئة والمحيط.
3) على المستوى الاجتماعي
+ ضمان حق الشغل القار للجميع والقضاء على البطالة والتشرد.
+توفير الخدمات الصحية المجانية للجماهير الكادحة وتوفير السكن اللائق وضمان النقل العمومي المريح والرياضة الشعبية.
+ إقرار المساواة التامة بين الرجل و المرأة في كل الميادين و إلغاء كل التشريعات الإقطاعية التي تكرس النظرة الدونية للمرأة.
+ ضمان التعليم الإجباري والمجاني لأبناء الشعب إلى حدود 16 سنة والقضاء على الأمية و تشجيع البحث العلمي ومحاربة الثقافة الامبريالية والإقطاعية الظلامية و إرساء ثقافة وطنية ديمقراطية شعبية و تعميم التعريب في كل مجالات الحياة.
+ توفير ظروف العيش الكريم في المدينة و الريف و توفير الحاجيات الأساسية للمواطنين و تشجيعهم على الاستقرار وتسهيل عودة كل المهاجرين الراغبين في ذلك.

ثانيا : مطالب ملحة عامة
إن المهام الإستراتيجية لا يمكن انجازها إلا بعد إقامة السلطة الديمقراطية الشعبية غير أن المطالب الملحة والخاصة تظل هدفا للنضال اليومي و ترفع كشعار لتعبئة الجماهير و شحذ طاقاتها ويمكن ترتيب هذه المطالب كالآتي:
+ النضال ضد المشاريع الامبريالية و الصهيونية و الرجعية العربية الهادفة إلى احتلال الأرض وتجزئة الوطن.
+ النضال من اجل فتح الحدود أمام الجماهير المتطوعة للنضال ضد الامبريالية والصهيونية و عملائهما.
+ التصدي للعولمة على كل المستويات ومناهضة زيارة الأساطيل العدوانية والوقوف ضد المناورات الحربية المشتركة.
+ فضح حقيقة الحروب الرجعية المعادية لمصالح الشعب والتصدي للسياسات الطائفية والرجعية الظلامية.
+ عدم الاعتراف بالديون الخارجية و الامتناع عن تسديدها و التصدي لاملاءات المؤسسات المالية الامبريالية و خاصة صندوق النقد الدولي و البنك العالمي كتحرير الأسعار والتفويت في القطاع العمومي والخوصصة...
+ النضال من اجل توفير الحريات العامة مثل حرية التعبير و حرية الصحافة والتنظيم و التجمع و التظاهر والإضراب وضمان حرمة المسكن وسرية المراسلة وحرية التنقل والتصدي لكل القوانين الزجرية المعرقلة لممارسة هذه الحقوق مثل قانون الصحافة وقانون الجمعيات.
+ التصدي لعسكرة الحياة العامة والنضال ضد الأجهزة القمعية وضد المحاكمات الصورية والنضال من اجل إطلاق سراح المساجين السياسيين المدافعين عن الحرية والتقدم .
+ تحسين ظروف العيش للجماهير الشعبية بتحسين القدرة الشرائية ووقف ارتفاع الأسعار وإعفاء ذوي الدخل الضعيف من الضرائب.
+ النضال من اجل توفير الشغل للبطالين وإقرار منحة خاصة للعاطلين وإنشاء لجان للدفاع عنهم وتوفير دخل أدنى يحميهم من خطر التشرد والجوع والانحراف.
+ مساعدة الحرفيين الصغار والتجار الصغار على تنظيم صفوفهم بصفة مستقلة .
+ التصدي لتلوث البيئة وسياسة نهب الخيرات ( استغلال مفرط للغابات والصيد العشوائي و التفريط للمستعمر في الخيرات البحرية....)

1) مطالب خاصة بالعمال
لحماية الشغالين من جشع الامبرياليين اللاهثين وراء الربح السهل والسريع و من همجية السماسرة يعمل الشيوعيون من اجل:
+ إقرار العمل بنظام 8 ساعات و نظام الحصة الواحدة و 6 ساعات بالنسبة للأعمال المضنية و منع تشغيل الأطفال الأقل من 16 سنة ومنح راحة أسبوعية ب36ساعة متتالية و راحة سنوية بشهر..
+ إقرار اجر متساو لعمل متساو بقطع النظر عن الجنس أو العرق ومنع الخصم من الأجور ومنع الساعات الإضافية والعمل الليلي من التاسعة ليلا حتى الخامسة صباحا في كل القطاعات باستثناء حالات الضرورة الفنية و الصحية.
+ منع عمل المرأة في الأعمال المضنية في الحالات الخاصة كالحمل ومراعاة وضعها الخاص و تمكينها من راحة ب 6 أشهر اثر الولادة.
+ توفير دور الحضانة ورياض الأطفال المجانية في مواقع الإنتاج وظروف صحية وقائية.
+ تحسين ظروف العمل و الوقاية من حوادث الشغل وإقرار الضمانات الاجتماعية المختلفة عامة و في حالات التقاعد و العجز والمرض.
+ منع الطرد التعسفي و النقل التعسفية بتعلة النشاط السياسي اوالنقابي.. و منع التخفيض في الاجور والاقتطاع منها.
+ ضمان حرية العمل النقابي والجمعياتي عامة وحق الإضراب والتصدي لكل القوانين الجائرة التي تحجر مثل هذه الأنشطة.
+ طرد أجهزة القمع والتجسس داخل أماكن الشغل ومنع تدخل الشرطة في الإضرابات و الاعتصامات...
2) مطالب خاصة بالفلاحين
و في سبيل استنهاض الفلاحين و دفع نضالاتهم إلى الأمام يناضل الماويون من اجل المطالب التالية:
+ إلغاء أعمال السخرة و كل أشكال الاستغلال الإقطاعية.
+ فسخ ديون الفلاحين الفقراء وتدريبهم على رفض تسديدها وإلغاء الضرائب والمكوس المرهقة لهم ومنع انتزاع أراضي الفلاحين الصغار ومصادرة المحاصيل أو رهن قوت الفلاحين لدى البنوك والاحتكارات الاستعمارية.
+ تقديم القروض الميسرة والأسمدة اللازمة والآلات الفلاحية بأسعار منخفضة للفلاحين الفقراء.
+ تعميم شبكات الري حيث أمكن وتعديل المقابل النقدي حسب الأوضاع المادية وتسهيل تسويق البضائع بدون وسطاء وطفيليين.
+ تعبيد الطرقات و الاعتناء بالمسالك الفلاحية وإيصال الماء الصالح للشراب والنور الكهربائي للمناطق الريفية.
+ ضمان حق التجمع في اتحادات فلاحية ممثلة ومستقلة عن اتحادات الفلاحين الكبار.
+ فضح النظرة الدونية للمرأة في الريف والتنديد بكافة أشكال الاضطهاد الإقطاعي .

خاتمة
إن وجود برنامج لا يعني البتة حصول الثورة الوطنية الديمقراطية بعصا سحرية أو بصفة آلية و عفوية. فالمطلوب هو تجسيد البرنامج عمليا في خضم الصراع اليومي و تحويل ابسط المطالب إلى معركة من اجل المطالب العامة. إن التقدم في تطبيق البرنامج يعني أولا وقبل كل شيء تحول حزب الطبقة العاملة إلى حزب محكم التنظيم ومرتبط متين الارتباط بالحركة الشعبية وخاصة بالطبقة العاملة و جماهير الفلاحين. وهو يعني كذلك إيجاد التكتيكات المناسبة من اجل التقدم في تجسيد البرنامج وتوسيع الجبهة المناهضة للأعداء الثلاثة: الامبريالية والصهيونية و الرجعية العربية و الارتقاء بدرجة النضال الوطني الديمقراطي إلى مستوى مواجهة الأعداء على درب التحررو الاشتراكية .



















 










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق