مر الآن عام على اندلاع انتفاضة 17 ديسمبر المجيدة التي قدم خلالها الشعب قوافل من الشهداء و الجرحى في أغلب مدن تونس و أريافها ، فقد عمت الانتفاضة البلاد بأسرها ، بل إنها انتشرت عربيا بسرعة فائقة ، و كان هروب بن على إجراء اضطرت الامبريالية إلى القيام به تفاديا لتفاقم الأوضاع ، بما يمكن أن يؤدي إلى ثورة عارمة تعصف بمصالحها و مصالح عملائها .
و قد تمكنت جماهير المسحوقين من تحقيق جملة من المكاسب ، خاصة على مستوى الحريات الأساسية ، و بعض المنافع المادية ، مثل ترسيم عدد من الشغالين في وظائفهم و تخصيص منحة لبعض البطالين ، غير أن تلك المكاسب و المنافع تظل جزئية و يمكن للرجعية إلغاؤها في أي وقت ، فقد اضطرت إلى اتخاذها في ظل اختلال موازين القوى لغير صالحها .
و اليوم فإن الأوضاع التي تعيشها تونس لا تزال على حالها ، فلا شئ جوهري قد تغير ، بل ان الرجعية قد نجحت على المستوى السياسي مؤقتا في ترميم صفوفها ، من خلال تنظيم انتخابات صورية للمجلس التأسيسي ، توجت بتركيز مؤسسات لا وطنية و لا ديمقراطية و لا شعبية ، و هي الحكومة و رئاسة الدولة و السلطة التشريعية ، مستفيدة من الدعم الامبريالي و الرجعي العربي من جهة ، و من ضعف المقاومة الشعبية من جهة ثانية ، و قد استعملت المال و الإعلام و الدعاية الدينية بكثافة للوصول إلى هذا الهدف ، و يشهد المضطهدون الآن تركز سلطة سياسية تذكرهم بسلطة بن على ، يعين فيها الوزراء على أساس القرابة العائلية ، و المحاصصة السياسية ، و إملاءات الرجعية العالمية و العربية .
كما ظلت الأوضاع على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي على حالها، بل إنها ازدادت تدهورا مع مرور الأيام ، فالنهب الامبريالي لثروات الشعب متواصل ، و الطبقات الغنية لم تفقد امتيازاتها ، و الفقر في ازدياد ، و الأسعار في ارتفاع ، و البطالة في تصاعد ، و لم يتوقف المفقرون عن الهجرة في قوارب الموت ، و لا يزال الانتحار حلا قاتلا يلجأ إليه من سدت في وجوههم أبواب الحياة ، و تنتشرالجريمة المنظمة و غير المنظمة ، و يكثر استهلاك المخدرات . و تروج الرجعية لحلول وهمية لهذه المشاكل مثل تهجير البطالين إلى ليبيا و اقتطاع جزء من رواتب الكادحين . و من جانب آخر لا يزال قتلة الشهداء دون عقاب و آلة القمع تعمل وفق نفس السياسات السابقة ، و الإعلام و سائر المؤسسات السلطوية في خدمة الرجعية .
إزاء هذا الوضع ليس أمام المضطهدين من حل غير مواصلة الانتفاضة و تحويلها إلى ثورة فعلية ، لتحقيق النصر بتحطيم نظام بن على جملة و تفصيلا ، و بناء نظام وطني ديمقراطي شعبي ، يقطع نهائيا مع الامبريالية و وكلائها المحليين ، و يفتح السبيل أمام العمال و الفلاحين و سائر الكادحين للتمتع بثمار إنتاجهم كاملة ، فلتتحد جهود كل الثوريين من أجل هذا الهدف .
تونس في 26 ديسمبر 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق