الخميس، 24 مارس 2011

الانتفاضة وحرب الشعب



محمد علي الماوي

2011 / 3 / 21

يعتقد العديد من المناضلين ان جدار الصين يفصل بين الانتفاضة وحرب الشعب في حين ان الشكلين يرتبطان وثيق الارتباط بعملية التحرر الوطني الديمقراطي وبتركيز السلطة الديمقراطية الشعبية.

فيمكن للانتفاضة ان تمهد الطريق لحرب الشعب كما يمكن لحرب الشعب ان تتوج بانتفاضة في المدن .تظل العلاقة بين الانتفاضة وحرب الشعب علاقة عضوية لا يمكن التكهن بكيفية تطورها كما لا يمكن تقديم وصفات جاهزة في قطيعة مع ما يفرزه الواقع من اشكال نضال وتنظيم تحددها موازين القوى معينة وامكانيات مادية محددة. وبالرغم من هذا التشابك فان الانتفاضة تختلف طبعا عن حرب الشعب طويلة الامد-(طويلة الامد لانها تمر بمرحلة الدفاع الاستراتيجي فالتوازن الاستراتيجي ثم الهجوم الاستراتيجي)

واجهت الحركة الشيوعية في تونس اطروحة الانتفاضة منذ بداية السبعينات إذ ادعت التنظيمات التروتسكية وتحديدا جماعة الاممية الرابعة ومنظمة العامل التونسي آنذاك ثم حزب العمال الوريث الايديولوجي والسياسي لهذه المنظمة بان المجتمع في تونس هو مجتمع راسمالي يقع تغييره عبر الانتفاضة المسلحة في المدن.وفي المقابل طرحت المنظمة الم الل آنذاك قضية حرب الشعب في المستعمرات واشباهها وبينت كيفية الوصول الى السلطة عبر تحرير الاراضي شبرا شبرا الى ان يقع محاصرة المدن وافتكاك السلطة عن طريق الانتفاضة كتتويج لحرب الشعب التي كانت قد حررت جل المناطق وارست السلطة الشعبية فيها.

يسخر التيار التروتسكي في تونس والتيار التحريفي بما في ذلك الاشتراكيين الديمقراطيين امثال حزب العمل الوطني الديمقراطي او حركة الوطنيين الديمقراطيين –وطج- من مقولة حرب الشعب وتتهم هذه المجموعات الخط الشيوعي الماوي بانه يريد نسخ التجربة الصينية وتحديدا المسيرة الكبرى- على الواقع العربي بصفة دغمائية.وينظرون في المقابل الى التحول السلمي وامكانية احراز الحرية السياسية في ظل النظام الامبريالي ودولة الكمبرادور والاقطاع.ووفق هذا التمشي تشارك هذه الاطراف في الانتخابات الصورية جريا وراء المواقع والامتيازات بمعزل عن قضية التحرر الوطني الديمقراطي وتصبح مشاركتها في ادارة الازمة الامبريالية دعما للرجعية الحاكمة التي تزايد بوجود معارضين في البرلمانات المنصبة.وقد بينت ممارسات الاطراف الانتهازية انها لاتساهم في دعم الحركة الشعبية وتقنين المكاسب النضالية بل انها تساهم عمليا في فك الحصار من حول الرجعية وتساعدتها على اعادة تنظيم صفوفها لتنقض من جديد على الحركة الثورية.

- حرب الشعب والواقع العربي

لقد بين تاريخ الانتفاضات في الوطن العربي وفي تونس تحديدا ان الجماهير المفقرة في الارياف كانت دوما الجيش الرئيسي في مواجهة بطش الحكام .كما بين تاريخ الحركة الوطنية في تونس وخاصة تجربة ما سمي بالفلاقة أي المقاومين الذي صعدوا الى الجبال لمحاربة المحتل بين اهمية الريف وضرورة تجنيد جماهير الارياف من اجل مهاجمة المحتل.والان تبين التجربة الحالية ان الانتفاضات اندلعت مرة اخرى من الارياف فكانت انتفاضة الخبز سنة84-85 وانتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 والانتفاضة الحالية التي اشعل شرارتها البوعزيزي في ريف بوزيد ثم القصرين وقفصة الى ان بلغت العاصمة تونس وتوجت بالاعتصام وهروب بن علي.

وبالرغم من ان هذه الانتفاضات العفوية لايمكن لها ان تغير النظام وان تركز سلطة ديمقراطية شعبية فانها تقدم دروسا ثمينة للحركة الشعبية عموما وفي حين تنكب الحركة الشيوعية على دراسة هذه الانتفاضات واستخلاص الدروس وضبط الخطط المناسبة من اجل الارتقاء بوعي الجماهير وتجربتها تنساق الحركة الاصلاحية الانتهازية وراء وعود النظام وتنخرط في مقترحاته وحلوله" للازمة" فتساهم بمشاركتها في اطر الحكومات المنصبة في طعن الجماهير وتزكية حلول النظام الاستعماري الجديد الذي يلوح بالقطع مع الماضي الخ من الشعارات التي تحاول ركوب الموجة الثورية.

ان واقع اشباه المستعمرات يحتم على الشيوعيين التواجد في الارياف وخاصة تلك الارياف المناضلة والتي اثبتت قدرتها على مواجهة الاجهزة القمعية للنظام كما يطرح هذا الوضع اعادة الاعتبار للمقولة التالية: "يمثل الفلاحون قوة رئيسية والعمال قوة اساسية وقائدة للعملية الثورية"

يحتل الريف مكانة هامة في عملية الانتاج فهو يستقطب عددا كبيرا من السكان, بيد ان مفهوم المدن بأتم معنى الكلمة ينحصر في بعض العواصم والمدن الكبرى وتبقى المدن الاخرى ذات طابع ريفي لامجال لمقارنتها بمدن البلدان الراسمالية المنتشرة في كل مكان.وتمثل المدن وخاصة منها العواصم مركز تجمع مصالح الامبريالية وحلفائها الذين يعملون باستمرار على صيانة مصالحهم بتكثيف الاجهزة القمعية بغية ضرب الحركة العمالية ومحاصرتها.

وانطلاقا من هذا الوضع فلا يمكن للانتفاضة المسلحة ان تنجح في هذه المدن الصغيرة والمعزولة والتي يطغى عليها الطابع الريفي اذا استثنينا العواصم,اذ سيقع قمعها ومحاصرتها ونسفها في رمشة عين حتى وان تمكنت القوى الثورية من الصمود لوقت معين.

بيد ان حرب الشعب كشكل نضالي تصبح ضرورة ملحة نظرا لواقع اشباه المستعمرات اولا وثانيا نظرا لواقع موازين القوى اذ لايمكن للمقاومة ان تدخل في مواجهة مفتوحة ومباشرة مع العدو خاصة في البداية أي في مرحلة الدفاع الاستراتيجي فهي تتخذ شكل الفرق المتنقلة والمتحركة في المدن وخاصة في الارياف وتعمل على ضرب مواقع العدو ومصالح الامبرياليين وحلفائهم بصفة تصاعدية وحسب ما يمليه الواقع ويبقى هذا الشكل الوسيلة الوحيد لضمان استمرارية حرب العصابات.ان هذه الفرق المتحركة ستعمل بحكم تطور تجربتها واعتمادها على قواها الذاتية وعلى طاقات الجماهير الخلاقة ستعمل تدريجيا على بناء جيش التحرير الشعبي وتغيير موازين القوى لصالح الثورة الى ان تبلغ مرحلة الهجوم وارساء قواعد ارتكاز ومناطق محررة مهما كانت صغيرة ووقتية الخ... وقد اثبتت التجارب السابقة الغنية بالدروس مدى صحة هذا الحل ومدى تطابقه وواقع هذه البلدان "المتخلفة" والى جانب هذه التجارب الظافرة بفضل تطبيقها لحرب الشعب فان حركات التحرر الحالية حتى وان لم تكن بقيادة حزب الطبقة العاملة فان هذه الحركات تحاول تطبيق بعض الاشكال المسلحة المعتمدة في حرب الشعب.

يعتبرالتواجد في الريف والتوجه نحو الحليف الاستراتيجي بغية تأطيره من قبل طليعة الطبقة العاملة التوجه الصحيح الذي املته الظروف الموضوعية مثل التركيبة الطبقية وطبيعة الطبقات الثورية وموازين القوى الخ وفضلا عن اتساع الريف وطبيبعته الجغرافية السانحة "لحرب الانصار"فهو يشكل اولا خلفية امنية وقلعة شاسعة يصعب على العدو محاصرتها ويمثل دعما للمقاومة يتجسم خاصة في مشاركة الفلاحين بصفة مباشرة في صيانة المقاومين ومدهم بالغذاء واخفائهم الخ واذا كانت الانتفاضة وحدها هي الحل الامثل فلماذا تواصل فصائل التحرر في تطبيق بعض اشكال الكفاح المسلح المستلهمة من اساليب حرب الشعب, واذا كان بامكانها افتكاك المدن من الوهلة الاولى وتحويل الاضرابات العامة الى انتفاضة بغية اسقاط الانظمة الرجعية فلماذا لم تفعل ذلك منذ زمان؟ ان الانتفاضة قد تنجح في ظروف معينة في تغيير شكل السلطة لكنها لن تفلح في تغيير النظام ككل أي انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية .

فقد نجحت الانتفاضة في اسقاط رأس السلطة في تونس ومصر لكنها لم تنجح الى حد الان في تغيير حتى شكل السلطة الذي يظل محل صراع بين القوى الثورية وقوى الثورة المضادة بما فيها المجموعات الانتهازية اللاهثة وراء المواقع.وفي هذا الاطار تطرح قضية الاشكال المعتمدة في مواجهة السلطة وحتمية مراجعة شكل الاعتصام الذي قد يفيد في بعض الظروف لكنه يصبح غير مفيد في ظروف اخرى كما انه من الضروري عدم الاكتفاء بالاعتصام في مواجهة الحكومة المنصبة بل لابد من تنويع اشكال النضال وتدريب الجماهير على المواجهة.

ان طريق حرب الشعب يطرح بالحاح تواجد الشيوعيين في المناطق التي اندلعت منها الانتفاضة واقناع الجماهير بان العمل الاساسي والرئيسي يتم في هذه المناطق من اجل تشكيل نواة القيادات الشعبية التي تعمل على المحافظة على مكاسب الانتفاضة وتوسع رقعة التعاطف مع مضمون السلطة الشعبية الممثلة في مجالس الدفاع عن الانتفاضة.وتسعى هذه المجالس الشعبية الى توسيع اشعاعها لتضم المناطق المجاورة ولتفرض واقع التحرك الشرعي الجماهيري من اجل القيام بالدعاية والتحريض والتنظيم في صلب الجماهير ودعم المجالس الشعبية باتجاه فرز قيادة قطرية تحدد كيفية مواصلة النضال في ظل التغيرات الحالية.

وبايجاز تنطبق الانتفاضة كشكل تنظيمي في علاقة بالاضراب العام والمسيرات الخ على البلدان الرسمالية وقد اثبتت التجارب التاريخية ذلك وتجارب اوروبا الشرقية اخيرا اما حرب الشعب فتتماشى وواقع اشباه المستعمرات نظرا لواقع القوى الثورية من جهة وبطش الانظمة العميلة من جهة أخرى والتي في حالة استعمالها الترسانة الحربية عند الضرورة فانه بالامكان القضاء على الانتفاضة في رمشة عين.

تدعو الحركة الشيوعية –الماوية- كل الاطراف الشيوعية الى استخلاص الدروس من تجربة الانتفاضات الحالية والى مراجعة حساباتها الانتخابوية الضيقة التي تهمل مصالح الشعب وتطلعه نحو التحرر والانعتاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق