الجمعة، 8 أبريل 2011

الانتفاضة في تونس و التناقضات التي افرزتها




أفرزت انتفاضة الحرية والكرامة في تونس تناقضات عدة من الضروري محاولة فهمها من أجل تحديد المهام المناسبة الملقاة على عاتق القوى الثورية والوطنية عامة . وان كانت التناقضات بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة لا تحسم بالحوار وبالطرق السلمية بما أنها تناقضات عدائية فان التناقضات في صلب الطبقات الشعبية تحسم بالحوار والنقد النقد الذاتي على أرضية التوافق حول المطالب الشعبية الملحة في علاقة بتطلعات الشعب نحو التحرر الوطني الديمقراطي .
لقد أحدثت الانتفاضة تصدعا واضحا في صفوف الطبقات الحاكمة فتفجرت الصراعات بين الكمبرادور والإقطاع – ملاكي الأراضي الكبار- من جهة وبين شرائح البيروقراطية البوليسية والعسكرية والحزبية والنقابية من جهة ثانية. وإن افتضح أمر البرجوازية الكمبرادوية والجهاز البوليسي والحزبي المرتبط بها مباشرة وتحديدا كل المقربين للعائلة "المالكة" ، فإن العديد من السماسرة والإقطاعيين والبيروقراطيين النقابيين بقوا خارج دائرة الاتهام وهم يحاولون التستر وراء مهاجمة "عائلة الرئيس السابق و أصهاره " وركوب موجة الانتفاضة من أجل تبرير ساحتهم والحفاظ على امتيازاتهم .
إن الخاسر الأول هو الشرائح الكمبرادورية المنتمية لعائلة بن علي والطرابلسية- زوجته- أما بقية الأطراف التي تشقها تناقضات كذلك فهي تحاول تدارك أمرها وتبرير تصرفاتها اللاوطنية واللاديمقراطية وتعمل على فرض نفسها بطرق مختلفة . فالبيروقراطية العسكرية والبوليسية التي أجرمت في حق الشعب وكانت دوما إلى جانب النظام العميل تحاول عبثا الظهور بمظهر الضحية ، فقد أشرف الجيش على عملية فرار بن علي رغم تناقضاته مع الحرس الرئاسي ومعارضته لتكتيك القتل العشوائي من قبل القناصة .
أما المستفيد الأول من هذه التناقضات فهو أولا الجيش الذي بدا محايدا وتمتع ببعض الشعبية في حين انه طبق أوامر الامبريالية الأمريكية والفرنسية من خلال إجبار بن علي على الفرار والإشراف على العملية ثم من خلال التصدي إلى إمكانية حصول حرب أهلية بين الجيش والبوليس والحرس الرئاسي والحرص على ضمان الانتقال السلمي للسلطة وفق رغبات الامبريالية الفرنسية والأمريكية. وأما المستفيد الثاني فهو البيروقراطية النقابية التي مثلت دوما امتدادا للسلطة في الحركة النقابية وكانت تلعب دور وزارة الشؤون النقابية ونجحت في تمرير سياسة النهب والتفقير وأمضت كل الاتفاقيات المعادية لمصالح الشغيلة والشعب عموما بتزكية الأطراف الانتهازية المتواجدة في الاتحاد العام التونسي للشغل والمحسوبة على اليسار مثل بعض النقابات العامة والجامعات وبعض المكاتب الجهوية .
لقد أحدثت هذه التناقضات التي تشق صفوف الرجعية الحاكمة إرباكا واضحا لم يمكن الرجعية من فرض أساليب الحكم السابقة واتضح هذا الإرباك من خلال تغيير الحكومات والوجوه وعدم القدرة على التحكم في موجة الاحتجاجات وفي التصدي لدعاة الفتنة وزرع التفرقة والفوضى .
إن الحديث عن حل حزب التجمع وحل البوليس السياسي ومحاولة محاسبة من أجرم في حق الشعب وأثرى على حسابه أدى إلى تفاقم الصراع بين من يريد من الكمبرادور والإقطاع والبيروقراطية تقديم تعديلات ظرفية وبين من يحاول التشبث بكل امتيازاته السابقة . وقد كشف الواقع الاجتماعي هذه التناقضات : فالإضرابات التي تمت في المدة الأخيرة وتواصلت لعدة أيام في قطاعات لم تمارس الإضراب منذ مدة طويلة ، ومظاهر العنف وقطع الطرق وسلب المارة والاعتداء على الأشخاص ... كل هذه العمليات يقف وراءها التجمع الدستوري الذي لم يتم حله عمليا ويسنده في ذلك البوليس بزيه الرسمي والمدني ، وفي خضم هذا الصراع يحاول الدساترة البورقيبيون الاستفادة من الأوضاع معتمدين على الدعم الفرنسي بصفة خاصة ، و يتزعم هؤلاء رئيس الحكومة المنصبة الباجي قائد السبسي البورقيبي حتى النخاع ، وليس من قبيل الصدف أن يقع إعادة الاعتبار لبورقيبة بل أن الأمر وصل إلى حد التناحر حول من يمثل فعليا الفكر" الاصلاحي البورقيبي" . وتحاول الطبقات الحاكمة إعادة ترتيب بيتها الداخلي باعتماد المغالطة من جهة ومغازلة بعض القوى من جهة ثانية وهي تحاول استمالة الأطراف "اللبيرالية" والأطراف المسماة زيفا يسارية من اجل عزل القوى الشعبية وإخماد نار الانتفاضة والحركة الاحتجاجية التي لم يقع إلى حد الآن الاستجابة لمطالبها.
ويقف التيار الإسلامي من النهضة إلى حزب التحرير رغم منع هذا الأخير من النشاط القانوني,يقف في صف قوى الثورة المضادة ويمثل أكثر الأطراف رجعية رغم تشدق النهضة بتبني المسار الديمقراطي وتعاطفها مع حزب العمال الشيوعي التونسي والحزب الديمقراطي التقدمي بما أنهم كانوا متحالفين في إطار حركة 18 أكتوبر.
وتسعى الرجعية الحاكمة حاليا من خلال الاستعداد لانتخاب المجلس التأسيسي تجاوز تناقضاتها والوصول إلى الوفاق الظرفي على حساب أكثر الفئات الشعبية تضررا ، وقد لمست الطبقات الشعبية هذا التوجه وعبرت عنه في العديد من المناسبات بتنظيم المظاهرات والاعتصامات وتنويع أشكال النضال لتبلغ رسالة واضحة إلى الحكومة وعناصر الهيئة العليا بأن الفئات الشعبية لن تسكت عن حقوقها المشروعة ولن تقبل بسرقة الانتفاضة تحت شعار "حماية الثورة" .
كما أفرزت الانتفاضة تناقضات في صلب الطبقات الشعبية وحاولت كل طبقة تقديم مطالبها مستفيدة من الظرف وخاصة واقع الانفلات الأمني لتنظيم الإضرابات والاحتجاجات الخ...فكانت التناقضات بين أكثر الشرائح المتضررة من سياسة النهب والتفقير مثل العمال والمعطلين والمهمشين وأبناء الفلاحين الفقراء الذين أشعلوا الانتفاضة لكنهم لم يجنوا شيئا منها ، وبين الشرائح العليا للبرجوازية الصغيرة مثل بعض التجار والأطباء والأساتذة الجامعيين والمحامين والقضاة والقيادات البرجوازية الصغيرة التي تعمل جاهدة على استغلال الوضع لضمان موقع قار في الخارطة السياسية المقبلة .
لقد ساهم العمال بشكل مميز في دعم الانتفاضة فكان الإضراب العام الذي قرره الاتحاد العام التونسي للشغل ورغم ما شاب هذا القرار من لبس وتحوله إلى إضرابات جهوية بالتناوب فان بعض الجهات أصرت على تنفيذه يوم 14 جانفي ، والى جانب الإضرابات العمالية الجهوية كانت الإضرابات القطاعية بارزة في الانخراط في الانتفاضة وشملت هذه الإضرابات جل القطاعات التي تشكو من العديد من المشاكل مثل التعليم الثانوي والأساسي . وقد خيل للبعض أن الفلاحين كانوا على هامش الانتفاضة في حين أن جهة الرقاب والمكناسي بولاية سيدي بوزيد مثلا تعاني منذ سنوات من سياسة افتكاك الأراضي ومنحها للسماسرة والمقربين للسلطة وقد نظم الفلاحون هناك عدة مسيرات احتجاجية واعتصامات ، كما أن المنتفضين في الأرياف هم في الحقيقة أبناء الفلاحين الفقراء في ولايات القصرين وبوزيد والكاف وغيرها...أما البرجوازية الصغيرة فقد ساهمت هي الأخرى عن طريق الإضرابات الاحتجاجية المساندة للانتفاضة (الأساتذة والمعلمين وقطاع الصحة والبريد ...)
إن التناقض بين الطبقات الحاكمة من كمبرادور وإقطاع وبيروقراطية من جهة وبين الطبقات الشعبية من جهة ثانية واضح غير أن بعض القيادات السياسية تحاول المساومة وتقديم التنازلات المبدئية والنظرية تحت تعلة المرونة والواقعية وتبرر بناء على ذلك تعاملها مع أجنحة في السلطة من جهة ومع بعض التيارات الإخوانجية من جهة ثانية هذا فضلا عن البقاء تحت رحمة البيروقراطية النقابية وممثلي الشرائح العليا للبرجوازية الصغيرة مثل المحامين والقضاة . وقد التحقت هذه القيادات "بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي" وهي هيئة-رغم تنوع تركيبتها- تمثل أساسا مصالح الحكومة المنصبة بقيادة الباجي قائد السبسي .
والآن أصبح التناقض واضحا في صلب الطبقات الشعبية ويتجسد هذا التناقض بين قيادات التنظيمات مثل حزب العمال وحزب العمل وحركة الوطنيين الديمقراطيين(-التي ستتوحد مع العود-) ... وبين الفئات الشعبية الأكثر تضررا فقد انخرطت هذه القيادات الانتهازية في التحالف مع النهضة من جهة ومع الدساترة الجدد من جهة ثانية وظلت الطبقات الشعبية دون قيادة منظمة تعبر فعليا عن المطالب المرفوعة خلال الانتفاضة. وفي ظل تواصل هذا التناقض يحاول الإسلاميون الاستفادة من الأوضاع وفرض توجهاتهم الرجعية والسلفية بالاعتماد على المشاعر الدينية لأغلبية الطبقات الشعبية.(فرض لباس الحجاب والنقاب-الصلاة في الشوارع وتعطيل حركة المرور-استعراض العضلات في المساجد وتنصيب أئمة تابعين لهم استعدادا لاستغلال المساجد في الحملات الانتخابية...)
إن المطروح على القوى التي تعتبر نفسها شيوعية وثورية هو أولا فك الارتباط مع البيروقراطية النقابية التي مازال بعض أطراف اليسار يدافعون عنها بما أنهم جزء لا يتجزأ منها مثل قيادات حزب العمال وحزب العود والأوطاد-وطنيون ديمقراطيون- (نقابة التعليم- الصحة- وبعض الاتحادات الجهوية ) ثانيا رفض المساومة مع الأطراف "اللبيرالية مثل المحامين والقضاة والنخب الموجودة على راس الجمعيات الحقوقية ...ثالثا فضح النظريات الانتهازية الداعية للمصالحة الوطنية على حساب مصالح الانتفاضة وللوفاق الطبقي لصالح القوى الامبريالية ، رابعا محاولة ايجاد لجان لحماية الانتفاضة على مستوى المعامل والمؤسسات ولجان محلية تكشف حقيقة اللجان الحالية التي تحتوي على اخوانجية ودساترة جدد لا علاقة لهم بالانتفاضة وهم التحقوا بهذه اللجان لضمان تمثيليتهم في المجلس التأسيسي وفي الانتخابات المقبلة. خامسا لابد من الإشارة إلى أن اليسار الفعلي هو الشعب وان التاريخ هو من صنع الشعب وان الانتفاضة هي نتاج لنضال الطبقات الأكثر تضررا من السياسة الامبريالية ، وإن كانت القيادات اليسارية في تناقض مع تطلعات الشعب وفي تناغم تكتيكي مع الدساترة الجدد وإخوان "النهضة" فإنها ستعرف حتما الإفلاس ولا بد إذا من فرز قيادات شعبية تلتزم فعليا بمطالب الشعب وترفض المساومة بالمبادئ والنظرية الثورية .
لقد أثبتت هذه القيادات اندفاعها غير المسبوق نحو التواجد في الأطر مهما كانت طبيعتها وتركيبتها وحاولت دوما إيجاد أرضية تعامل مع الحكومات المنصبة الأولى والثانية ، ورغم ادعائها الاستقلالية فقد التحقت بالهيئة العليا بسرعة البرق بعد الحديث مع الوزير الأول الباجي قائد السبسي وبعد أن زكت البيروقراطية النقابية هذا التمشي .
وكشفت هذه التصرفات أن اليسار لا يريد أن ينحاز إلى صف الشعب بل يحاول دوما وضع رجل في خندق الرجعية –دساترة أو اخوانجية- ورجل في الحركة الشعبية. فهو لم يحسم أمره و ظل في تذبذب ومحل تجاذب بين الوعود الرجعية والمبادئ الثورية ، وذلك لأنه لا يفكر في الثورة وإنما يفكر في الموقع الذي سيحصل عليه .
إن الظرف سانح لفضح هذه القيادات المساومة والمتاجرة بالانتفاضة ولم يبق أمام القوى الثورية الفعلية سوى توسيع عملية الدعاية والتنظيم من أجل فرز قيادة شعبية تعمل على إنقاذ الانتفاضة من مخالب الرجعية والانتهازية وتشحذ يقظة الجماهير وتعيد الاعتبار لشعارات الانتفاضة على درب التحرر الوطني الديمقراطي .
ان مثل هذا التحليل لواقع التناقضات ولخط الاحزاب اليسارية لايروق طبعا لقيادات هذه الاحزاب فهي تعتبر مثل هذا التحليل ضربا من اليسراوية والدغمائية الخ....في حين ان الواقع يثبت عدم انحياز هذه القيادات الى صف الشعب كما ان تاريخها يثبت كذلك خيانتها لمطالب الشعب وتعاونها مع الاعداء اما اخوان او دساترة.
لذلك نقول لا للمساومة نعم للمقاومة وسيقاوم الشعب الدساترة والاخوانجية وسيفضح القيادات الانتهازية.
8 أفريل 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق