تستعد الرجعية في تونس لتنظيم انتخابات مجلسها التأسيسي مستهدفة إعادة ترميم نظامها بعد أن زعزعت الانتفاضة الشعبية أركانه ، أي إضفاء شرعية على المؤسسات التي تتحكم من خلالها في رقاب الشعب ، فالنظام يبحث الآن عن شرعية جديدة بعد ان تآكلت شرعية بن على .
و تقوم الرجعية بذلك بتوجيه مباشر من الامبريالية ،و خاصة الفرنسية و الأمريكية ، ضمن سياسة عامة تتعلق بإعادة رسم خريطة الوطن العربي تكون فيها السيادة لنظم عميلة بواجهة ديمقراطية ، و ذلك في مسعى هدفه الالتفاف على الانتفاضات العربية و توظيفها لصالحها .
لقد أخفقت الرجعية في تونس خلال الأيام الأولى للانتفاضة في محاولة اعتراض تيار كفاح الشعب ، فسايرته لإفراغه من محتواه الثوري ، و بدأت منذ ذلك الوقت في تنفيذ مخطط مدروس ينتهي عند ترميم نظامها ، و تمثل انتخابات المجلس التأسيسي خطوة متقدمة في تنفيذ هذا المخطط ، سبقتها خطوات أخرى مثل الإعلان الكاذب عن حل البوليس السياسي ، و حظر التجمع الدستوري ، بالإضافة إلى إغراق البلاد في الفوضى الأمنية بإطلاق يد العصابات الإجرامية ، التي فتحت أمامها أبواب السجون لتعيث فسادا في مختلف المدن و القرى .
و يتم الاستعداد لانتخابات المجلس التأسيسي في ظل أجواء مشحونة بالتوتر من أبرز ملامحها :
سياسيا : ازدياد حدة الأزمة السياسية ، فالنظام يقول من جهة أنه مقبل على تحول كبير سيفضى إلى منح الشعب السلطة كاملة ، و يمارس من جهة ثانية عكس ذلك ، فقد فرخ التجمع الدستوري حوالي ثمانين حزبا تتأهب كلها للانقضاض مرة أخرى على الشعب ، و منها من يهدد علنا بكارثة ، إذا ما استبعد الدساترة من السلطة بعد انتخابات التأسيسي .
أما التيارات الدينية الرجعية فقد انفلتت من عقالها و أصبحت ميليشياتها تفرض إرهابها الأسود في أماكن مختلفة ، و لا تتوانى عن تنظيم غزواتها و لا تخفي رغبتها في تحويل تونس إلى إمارة ظلامية .
و غير بعيد عن هاتين القوتين السياسيتين هب اليسار الانتهازي إلى المشاركة في الأكذوبة الكبرى ، للفوز بحصته من الغنيمة غير آبه بمعاناة الجماهير ، فمنه من يصرح علنا بأنه متفق تماما مع حكومة السبسي ، و منه من لا يخفي تحالفه مع اليمين الديني ، و منه أيضا من يتغنى بالجيش الوطني حامى البلاد و شعبها .
اجتماعيا : تفاقم البؤس و الفقر ، فالشعب يئن تحت وطأة غلاء الأسعار و البطالة ، مما أعاد من جديد إلى واجهة الأحداث موجة الانتحارات التي أصبحت جماعية .
أمنيا : عودة البوليس السياسي إلى العمل بقوة ، بعد فترة توارى فيها عن الأنظار فعادت سياسة الاعتقالات و قمع المسيرات و التجنيد القسري و التقيد بقانون الطوارئ الصادر في السبعينات من القرن الماضي ، و زرع الانقسامات بين صفوف الشعب ، مما أدى إلى مواجهات دامية في عدة جهات ترتب عنها سقوط عشرات القتلى و مئات الجرحى .
قانونيا : تشرف على مختلف دواليب الدولة هيئات تنفيذية و تشريعية منصبة فاقدة لأي شرعية ديمقراطية شعبية و هي التي أصدرت القوانين الخاصة بالأحزاب و انتخابات التأسيسي و غيرها دون العودة إلى الشعب ، ولا تزال المؤسسة القضائية واقعة في قبضة قضاة فاسدين ، مما مكن إلى حد الآن من بقاء ملفات نهب ثروة الشعب و تعذيب المعتقلين و خيانة الوطن و تقتيل المنتفضين مغلقة .
إعلاميا : تسيطر الرجعية على القنوات التلفزية و الإذاعية و الصحف و المجلات و العديد من المواقع الالكترونية ، التي تمارس من خلالها التعتيم الإعلامي و التلاعب بالخبر و توجيه انتباه الجماهير بعيدا عن قضاياها الفعلية ، فالإعلام في معظمه منحاز للطبقات المالكة لوسائل الإنتاج ، و قد أدى و لا يزال دورا خبيثا في تشويه الانتفاضة و قطع السبيل أمام تحولها إلى ثورة حقيقية .
إن الانتخابات المزمع القيام بها يمكن ـن تتخذ المسارات التالية :
أولا : انتخابات مماثلة لتلك التي حدثت في الجزائر تفتح المجال أمام حرب رجعية يدفع خلالها الشعب ثمنا باهضا للصراع بين أعدائه .
ثانيا : انتخابات شبيهة بما عرفته بلدان أوربا الشرقية غداة سقوط معسكر حلف وارسو تؤدي إلى إعادة هيكلة النظام و ربط البلاد أكثر فأكثر بالامبريالية .
ثالثا : مقاطعة الشعب للانتخابات و تواصل المسار الثورى بفعالية أكبر فاكبر حتى تحقيق جماهير المضطهدين لأهدافها الإستراتيجية ، و هو ما اخترن السير فيه تشاركنا في ذلك قوى سياسية مناضلة ضمن " ائتلاف المسار الثوري " .
لقد عرفت تونس سابقا انتخابات مجلس تأسيسي أفرغتها الرجعية البورقيبية من أي محتوى وطني ديمقراطي ثبتت وجود النظام الكمبرادوري الإقطاعي ، الذي عانت جماهير العمال و الفلاحين و سائر الكادحين من بطشه و استغلاله و عمالته للامبريالية ، و اليوم فإن ذلك النظام نفسه ينظم انتخابات جديدة للغرض ذاته ، و على سائر الثوريين عدم السماح له بالنجاح مرة أخرى في خداع الكادحين ، و ذلك بمقاطعة الانتخابات الحالية و تشكيل هيئات مستقلة عن الرجعية ينتظم من خلالها الشعب ، مثل لجان الدفاع الشعبي و المجالس الشعبية و الجمعيات و النقابات الخ ... و المضي قدما نحو انتخابات ديمقراطية لمجلس تأسيسي وطني يتوج مسارا ثوريا يحقق المهمة الإستراتيجية التي عبر عنها الشعار التاريخي " الشعب يريد إسقاط النظام " .
الحركة الشيوعية الماوية
تونس في 11 أكتوبر 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق